عرب-لندن
كريم إمام
مع انتشار فيروس كورونا (كوفيد ١٩) وإغلاق المدارس والأعمال أصبح العديد منا مضطرا للمكوث في المنزل لفترات أطول ما أوجد خطر اجتماعي - أسري منافس لفيروس كورونا بالنسبة لبعض الأشخاص -خاصة النساء والأطفال- ألا وهو العنف المنزلي.
وتشير بعض التقارير الأمنية إلى تزايد أعداد حالات العنف المنزلي، لتصل إلى أربعة آلاف حالة منذ بدء إجراءات الحظر في لندن.
نحاول خلال هذا الحوار مع الدكتورة هدى وناس، أخصائية طب الأسرة (بكالوريوس طب وجراحة، عضوة كليات الطب الأسري الملكية في بريطانيا واستراليا)، التعرف على طبيعة هذه الظاهرة وأبعادها وطرق تلافيها أو الحد من آثارها خاصة بين الأسر العربية.
في البداية سألنا الدكتورة وناس إلى أي مدى ساهمت أزمة كورونا في تزايد أعداد حالات العنف المنزلي في لندن فقالت: "أزمة كورونا ساهمت كثيرا في تزايد حالات العنف المنزلي، وكذلك اكتشاف حالات أكثر. وما يحدث يعود لسببين، أولهما أن الأشخاص الذين هم بطبعهم متنمرون ومؤذيين للآخرين، عادة ما تكون مشاغل الحياة تشغلهم عن مثل تلك الأفعال، أما الآن وهم جالسون في البيت وجها لوجه مع ضحاياهم، ليس لديهم شيء آخر يشغلهم أو يسليهم وبالتالي يلجأون للعنف. أما السبب الثاني فهو أن هذه الشخصيات هي ذاتها منزعجة وتحت الضغط النفسي وربما المادي والمعنوي بسبب الخوف على الصحة ومصدر الرزق، لذا تخرج شحنة غضبها بشكل أعنف".
وتضيف موضحة: "الحقيقة أن جائحة كورونا لم تصنع متنمرين ولكنها فقط كشفتهم، لأن هذا شيء داخلي خرج للسطح. وهذا النوع من الشخصيات تكون عادة مقتنعة بالأساس أنه من حقها التعبير عن مشاعرها السلبية بالعنف والتنمر".
وعن إمكانية أن يزيد هذا الوباء من حالات العنف في بريطانيا، تشير الدكتورة هدى إلى أن الوباء يزيد من حالات العنف بسبب التفرغ والجو المشحون بصفة عامة للجميع. مضيفة أن تواجد الضحية مع المعنف أو المتنمر أصبح أكبر بسبب بقاء الاثنين في البيت لمدد أطول.
أما عن كيفية رصد مثل هذه الحالات داخل الأسر اللندنية وخصوصا العربية، تشير الدكتورة وناس إلى صعوبة رصد مثل هذه الحالات، إلا إذا بادرت الضحية بإعلام السلطات، لأنه لا يمكن توقع ما يدور في البيوت، فالبيوت أسرار.
وفيما يخص الوسيلة الأفضل للتعامل مع المعنفين من وجهة نظر طبية، تقول الدكتورة هدى أن العلاج النفسي للشخص المتنمر هو الوسيلة الأمثل الذي لن يذهب لطبيب ويقول أنا متنمر بدوره، ولكن في حال أبلغت الضحية السلطات المحلية بالحالة، أو استطاعت إقناع الشخص المعنِّف بحل الذهاب وعرض نفسه على طبيب فهنا تكمن بداية الحل. فمثلا قد يعرض الشخص ذاته على طبيب ويوضح بأنه لا يستطيع التحكم في مشاعر الغضب وهذه المشكلة لها علاج وسبل لإعادة التأهيل للجنسين، موضحة أن هناك أنواع للعنف المنزلي من بينها العنف اللفظي، والعاطفي، والجنسي والجسدي. مؤكدة أن العنف العاطفي هو أصعبها حيث لا يمكن إثباته. أما العنف الجسدي فيعد أخطرها لأنه قد يؤدي لحالات وفاة.
وأضافت أن هناك علاقات قائمة على العنف المتبادل، وهذه ليس لها حل إلا علاج "الكوبل" (الثنائي معًا) أو الانفصال. فمثلا قد تكون زوجة تعنف الزوج لفظيًا (كلام نابي) وعاطفيًا (تحقير، انتقاص، سخرية، تنمر) وهو يعنفها جسديًا، وربما هناك تنمر عاطفي متبادل، وهذه العلاقات حلها الانفصال (co-dependent relationships) لأنها علاقة قائمة على التنمر المتبادل، و هي من أخطر أنواع العلاقات، ويتخللها عادة الإدمان والتنمر وتشجيع للسلوكيات المرضية من الجهتين.
وترى الدكتورة أن في اللحالات التي لا يريد فيها المتنمر أو المتنمرة الاعتراف بالخطأ أو التحسن والتخلص من هذا السلوك، إذا كان يراه / تراه صحيحًا فليس للضحية حل إلا إبلاغ السلطات والذهاب لمكان آمن بمساعدة طبيب العائلة أو عمّال القطاع الاجتماعي (social workers).
وتنصح الدكتورة وناس من أجل الحد من هذه الظاهرة، اختيار شركاء بعناية، ذلك أن الذي/التي يمتلك هذه الصفات المذكورة يصعب التعايش معه أو معها. أما إذا كنتم قد تورطتم ووجدتم أنفسكم في هذا النوع من العلاقات فأمامكم حلين، إما التخلص من تلك العلاقة حسب درجة العنف وإقحام السلطات، أو إن كان المتنمر ليس خطيرا الآن -أي أنه يرتكب عنفا جسديا بعد-، فلك أن تعرض عليه/ها الذهاب لطبيب نفسي أو الذهاب إلى جلسات العلاج الثنائي (couple therapy) بشرط أن يكون هناك رغبة جدية من الطرفين في إيجاد حل و إنهاء العنف.
والمستوى المجتمعي، ترى الدكتورة أهمية أن يكون هناك حملات توعوية، فالعنف ليس حلاً أبدا ولا يعبرعن قوة شخصية ولا يعتبر -للأسف كما في بعض الثقافات- رجولة. فهو في الحقيقة سلاح الضعيف الذي لا يستطيع إثبات رأيه بالجدال الصحيح. أما على المستوى الحكومي، فإن الحكومة والقطاعات الأساسية يجب أن تحمل على عاتقها دورا في هذه القضية. فكل الأطباء في بريطانيا مدربون على التعامل مع هذه الظاهرة ويجددون التدريب سنويا، فيمكن إبلاغ طبيب الضحية أو عمال القطاع الاجتماعي أو الشرطة، وكلها جهات ستتخذ الإجراءات اللازمة لحماية الضحية ومعاقبة الجاني (القسم الجنائي) ودعم الجاني معنويا ونفسيا لمحاولة فهم كيف يشعر و يفكر.
واختتمت الدكتورة هدى حديثها بالإشارة إلى أن الآثار النفسية لمثل هذه الأفعال جسيمة خاصة على الأطفال اللذين لا ذنب لهم في مشاهدة ذلك أو التعرض له. وهنا يأتي دور القطاع الاجتماعي في دعمهم. فبالنسبة للكبار نساء أو رجال فإن العنف يؤدي لفقدان الثقة بالذات وجلد الذات حيث من الممكن أن تؤمن الضحية أنها سيئة أو غير كافية، فيما سيترسخ هذا الاعتقاد أكثر إذا بقيت مع معنفها. بل وقد تؤمن أنها تستحق تلك المعاملة وسيسوء الأمر أكثر. كذلك قد تتطور حالة من العزلة اجتماعية لدى الضحية وخوف دائم من مغادرة المنزل حتى لوكانت لزيارة الطبيب، مما قد يؤدي لتفاقم أمراض جسدية ونفسية، والتأثيرعلى علاقات الضحية الاحتماعية، والذي من شأنه أن يفاقم الأمراض العقلية والنفسية بسبب العزلة الاجتماعية و عدم تواجد شبكة داعمة (support system) لأي شخص.