عرب لندن
تحدت آلاف المدارس الابتدائية في إنجلترا نداء الحكومة بإعادة فتحها وسط مخاوف من بقاء كورونا أقوى مما يجب للقيام بذلك. ففي استطلاع أجرته "نقابة التعليم الوطنية" بين أعضائها، الذين يعملون في حوالى 11 ألف مدرسة إنجليزية، اختار 44 في المئة منها يوم الاثنين الماضي عدم قبول تلاميذ آخرين أكثر مما تستقبله حالياً. إضافة إلى ذلك، أظهرت البيانات المجمَّعة من 11 إدارة محلية من بين أكبر 12 في شمال شرقي إنجلترا أن 88 في المئة من مدارسها الابتدائية البالغ عددها 856 ظلت مغلقة من دون تلاميذ إضافيين، وهذا يرتفع في مناطق شمال غربي البلاد حيث وصلت نسبة عدم قبول تلاميذ أكثر مما كان فيها إلى 92 في المئة.
وفي بعض المناطق، لم تُفتح أي مدرسة ابتدائية بحسب الأرقام التي نشرتها صحيفة "الغارديان" اللندنية. غير أن من المتوقع أن تتخذ مدارس أخرى الموقف نفسه خلال الأيام القليلة المقبلة.
وكان رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون حث المدارس للسماح للتلاميذ في السنة التمهيدية وفي الصفين الأول والسادس بالعودة إلى المدارس، لكنه أقر بعدم قدرته على إجبارها للقيام بذلك حتى تكون مهيأة بشكل مناسب.
وبينما استمرت مدارس كثيرة بتدريس الصغار ذوي الاحتياجات الخاصة وأولئك الذين آباؤهم يؤدون أعمالاً أساسية، وجهاً لوجه، فإن غالبية التلاميذ ظلت تتعلم في المنازل عبر الإنترنت، لكن هناك أيضاً عدد كبير من التلاميذ لا يمتلكون الوسائل التي تمكنهم من تحقيق ذلك.
وعلى الرغم من مخاطر تأخر 700 ألف تلميذ لا يملكون كمبيوترات محمولة أو أجهزة لوحية، عن غيرهم، فإن بعض مدراء المدارس يتخوفون من أن بعضاً منهم "قد لا يعودون أبداً" إلى المدارس إن بقيت مدارسهم مغلقة كل الصيف، وقد انتقدت نقابات المعلمين والعلماء قرار الحكومة بالبدء في إعادة فتح المدارس يوم الاول من يونيو (حزيران) الحالي.
وفي هذا السياق، حذرت "المجموعة الاستشارية العلمية المستقلة للطوارئ" (سَيج المستقلة) من أن مبادرة الحكومة هذه قد تخاطر "بصعود جديد" لحالات الإصابة بكوفيد-19 في بعض الكيانات المجتمعية، متهمة إياها بعدم سماع نصيحة "سَيج" العلمية.
وصاغت "اللجنة العلمية الاستشارية للطوارئ" الخاصة بالحكومة، "المجموعة العلمية الاستشارية للطوارئ" نماذج للتأثير المترتب عن اتباع سبع طرق مختلفة يمكن للمدارس أن تتبعها في إعادة فتح أبوابها لجميع تلامذتها، لكنها جميعها أدت إلى زيادة افتراضية في معدل تفشي الوباء (الذي يعرف بالمعدل آر) وفق ما ذكر هذا الفريق الاستشاري.
أما فريق "سَيج المستقل" فقال "سيناريو إعادة فتح المدارس الذي اختارته الحكومة ليس واحداً من النماذج التي صاغتها (سيج) الحكومية، ما يجعل التأثير المحتمل لإعادة فتحها أكثر غموضاً". وأضاف هذا الفريق العلمي المستقل في تقريره "أنظمة الفحص الفعالة غير متوافرة في كل مكان".
وقبل حلول تاريخ إعادة فتح المدارس، اتهمت "نقابة التعليم الوطنية" الحكومة "بتصحيح الخطة مع مرور الوقت"، مدعيةً أن الدليل الذي صدر للمعلمين تم تغييره 41 مرة خلال ثلاثة أسابيع منذ نشره أول مرة.
البرلمانية كارولاين جونسون، نائبة رئيس حزب المحافظين صرحت أن النقابة ذات "التوجه اليساري المتشدد"، "تتعقب العناوين البارزة أكثر من الإقرار بالحقائق المتعلقة بإعادة فتح المدارس، أكثر فأكثر، بشكل تدريجي وحذر".
وأضافت كارولاين جونسون "طوال فترة تفشي هذه الجائحة، ظلت الحكومة تتواصل عن كثب مع النقابات، والمدارس والإدارات المحلية، وهذا التواصل مستمر. فبعد مراجعتنا للنصيحة العلمية والطبية التي قدمتها "اللجنة العلمية الاستشارية للطوارئ" (سَيج)، نريد كلنا ضمان حصول الأطفال على التعليم الذي هم بحاجة إليه، مع ضمان بقاء احتمال تفشي الفيروس ضئيلاً جداً".
وفي هذا الصدد، أعاد البروفيسور كريس ويتي، رئيس الخدمات الطبية لإنجلترا، طمأنة الآباء من أن خطر كورونا على الأطفال ضئيل، مع تشديده على أهمية إعادة فتح المدارس. وقال ويتي، خلال المؤتمر الصحافي الذي يجريه "داونينغ ستريت" بخصوص فيروس كورونا، "من الواضح أن هناك إجراء متوازناً شديد التعقيد على المجتمع القيام به، وهذا يتعلق بإمكانية زيادة التفشي من جانب، ومن جانب آخر، إمكانية حرمان الأطفال من تعليمهم" وأوضح أن "هذا إجراء متوازن شديد الصعوبة، لكن هذا ما نسعى إلى القيام به، كمجتمع، أن نمشي بين خطورتين، خطورة على التعليم وخطورة على الصحة. ومعدلات التفشي الآن أقل بكثير مما كانت عليه حين أغلقت المدارس".
وأضاف البروفيسور ويتي "أنا أفهم تماماً، مثل أي شخص آخر، أن الناس يريدون التفكير في هذا الأمر من كل جوانبه، لكن القلق الأكبر بالنسبة لهم سيكون صحة أطفالهم وهذا مرض يمكن أن يصيب الأطفال، لكن الاحتمال ضئيل جداً مقارنة بالراشدين".
وجاءت ملاحظات رئيس الخدمات الطبية لإنجلترا هذه متزامنة مع الدراسة التي نشرتها جامعة وُريك، وفيها أكد الباحثون المشاركون في إعدادها أن من غير المرجح أن تؤدي الإجراءات المقترحة لإعادة فتح المدارس إلى بروز موجة عدوى جديدة.
وقال البروفيسور مات كيلنغ الذي ترأس فريق البحث المعد لهذه الدراسة، "من غير المرجح أن يرفع هذا الإجراء (إعادة فتح المدارس) وحده من معدل تفشي الفيروس، لكن العواقب المترتبة عن التغييرات الأخيرة التي خففت من الإغلاق تبقى مجهولة".
وضمن هذا السياق، حذر السير باتريك فالانس، رئيس "اللجنة الاستشارية العلمية للطوارئ" (سَيج) من أن معدل تفشي الوباء قريب من مستوى واحد، وأن هذا المستوى الجديد من الانتشار "لا ينخفض بسرعة"، حاثاً على ضرورة بقاء إجراءات التخفيف عن الإغلاق موضع مراجعة دقيقة.
مع ذلك، ومثلما لوحظ في المناطق الشمالية الغربية الإنجليزية، التي شهدت أعلى معدلات إصابة بالفيروس في البلاد، قرر الكثيرون من مديري المدارس عدم المخاطرة في إعادة فتحها الآن.
وفي هذا السياق، قال كيفن كورتني، الأمين العام المشترك لنقابة التعليم الوطنية، "كان بوريس جونسون دائماً متهوراً بتحديد تاريخ عشوائي (لإعادة فتح المدارس) ويتوقع أن تلتزم المدارس به، فمديرو المدارس وكوادرهم يعرفون أكثر بكثير من داونينغ ستريت، طبيعة التحديات التي تواجهها كل مدرسة على حدة. ونظراً لوجود اختلاف من منطقة إلى أخرى في مستويات تفشي كورونا، فإن المدارس تستمع إلى العلم أكثر من استماعها إلى السياسيين".
وأضاف كورتني "ليست قواعد السلامة التي تضمنتها خطة الحكومة موضع تساؤل فقط بل أيضاً إمكانية تحققها ومدى ثقة المديرين بما طلبه رئيس الوزراء".
في المقابل، قال متحدث باسم وزارة التعليم "ابتداء من هذا الأسبوع، بدأت مدارس كثيرة باستقبال الأطفال الذين هم في السنة التمهيدية، والصفين الأول والسادس، ليعودوا إلى قاعات الدروس كجزء من مقاربة تدريجية وحذرة معاً. وأضاف "لتحضير هذه المرحلة، قام مديرو المدارس وكوادرها بعمل رائع، يتضمن وضع إجراءات وقائية موضع التطبيق، والتواصل مع الآباء والأطفال. نحن سنستمر في دعم المدارس التي لم تتمكن حتى الآن من فتح أبوابها بشكل أوسع للقيام بذلك في أقرب وقت ممكن".
المصدر : اندبندنت عربية