عرب-لندن
منذ بدء تفشي وباء كورونا العالمي، عزم ملايين الأشخاص حول العالم على البقاء داخل منازلهم، موصدين أبوابهم خشية العدو اللامرئي، الذي يختار ضحاياه عشوائيا، وبلا سابق إنذار.
و بينما يلزم العديدون منازلهم تاركين وراءهم متعة العالم الخارجي، أصبح التلفاز والهواتف الذكية ومختلف أنواع الأجهزة الإلكترونية، السبيل للمعرفة والتسلية التي أصبحت محصورة ومقيدة.
ولا شك أنكم مررتم على مقال أو برنامج تلفزيوني يتحدث حول جعل هذه الفترة فرصة لإنجاز العديد من الأهداف المتراكمة منذ زمن بسبب ضيق الوقت و إيقاع الحياة السريع.
وسمعنا خلال هذه الفترة العديد من "المؤثرين"، يقدمون نصائح لمتابعيهم، باستغلال الوقت لتعلم لغة جديدة أو تقوية مهارة معينة أو إنهاء المهمات التي لطالما أردنا تخطيها.
في حقيقة الأمر، هذه الأزمة بالذات ليست بتلك السهولة، إذ أن حياة الملايين منا انقلبت رأسا على عقب في غضون أسابيع قليلة، و كأن العداد ارتفع من 0 إلى 60 في ثوان معدودة.
في بداية الأزمة و تحديدا عند ظهورها في الصين، تلك البلاد البعيدة، شعرنا بأن الخطر ليس حقيقي، و أنه بعيد كل البعد عنا، وانشغلنا بمتابعة حياتنا التي تعودنا عليها،حتى فوجئنا بأن ذلك الوحش البعيد اقترب بسرعة عجيبة، ليسرق منا أياما كنا نخطط لاستغلالها بشكل مختلف.
و بعد بحث مطول عن مراجع عربية تتحدث عن أهمية الحفاظ على الصحة النفسية بالتوازي مع الحفاظ على تلك الجسدية، عدت أدراجي دون أن أجد نصائح ذات قيمة، و تمثل حقا الحياة الواقعية التي نعيشها. لم أجد نصائح تراعي الاختلافات الفردية عند الأشخاص في تقبل الأمور وتبعاتها.
علينا أن ندرك بشكل أو بالآخر أن هذه الأزمة، حصرتنا كبشر ضمن حدود جسدية و نفسية معينة لا مفر منها، لنعيش الحياة غير مدركين لما يداريه المستقبل. وتقول سمانثا بروكس، بروفيسورة علم النفس في كلية "كينجز" في لندن، أن العزل المنزلي من شأنه أن يولد مجموعة من التأثيرات السيئة على الصحة العقلية، بما في ذلك الشعور بالصدمة و الارتباك والغضب.
وبالطبع عدم القدرة على رؤية شكل المستقبل، خصوصا و أن العديد من رجال السياسية و الاقتصاد أكدوا أن الحياة بعد كورونا ستتغير، مع تغيرات الأنظمة العالمية، شكل نوعا من الخوف و اليأس.
لذا من المهم أن تتعامل مع الأزمة بالطريقة التي تناسبك شخصيا. خذ وقتك في التفكير بشكل الحياة الحالية، دون أن تشعر بتأنيب الضمير أو تمارس جلد الذات لأنك لم تنجز ما رسمته لنفسك من توقعات، أو ما رسمه الآخرون لك.
ولا تخجل أبدا أيها القارئ من شعورك بأنك فقدت السيطرة على نظام غذائك أو شكل نومك، فهذا طبيعي خصوصا و أننا محاطون بجدران، دون الاختلاط بالأصدقاء و أفراد الأسرة الآخرين، ما يولد شعورا بعض الأحيان بالنقص. فكل هذه التغييرات و القيود من شأنها أن تغير المواد الكيميائية في الدماغ، بحيث تفرز أجسامنا شعورا بالتهديد يتركز في الخلايا العصبية حول القلب والرئتين، الأمر الذي يغير من استجابة الجهاز العصبي مما يؤثر على إدراكنا و رؤيتنا لمصادر التهديد.
من الأمور المهمة أيضا أن تحاول التحدث مع نفسك، و معرفة ما يجول في داخلها من مشاعر، و مواجهتها . و بالرغم من هذا، إن شعرت أيها القارئ بأنك غير مستعد لمواجهة تلك المشاعر، فهذا أيضا أمر طبيعي، لذا اعترف لنفسك بأن العالم يواجه تراجيديا و مرحلة صعبة، و كأن غمامة حطت علينا جميعا. ومن جهتها تقول المعالجة النفسية، تيس بريغهام: "توقف عن الهوس بأمور مثل: ماذا سيحدث بعد ذلك؟ هل سيتم إعادة تخزين رفوف البقالة قريبًا؟ إلى متى سنحتجز في منازلنا؟ متى سينتهي كل هذا؟ وبدلًا من ذلك ، ركز على اللحظات الإيجابية.
نحن بالتأكيد لا نحاول هنا بث السوداوية في جوفكم، و إنما نؤكد على فكرة أن لا نحاول الضغط على أنفسنا، للقيام بأمور لن تجدي نفعا على الصعيد النفسي.
ولا نحاول هنا دحض الفكر الذي يشجع على استغلال الوقت بما ينفعنا عندما تعود حياتنا الطبيعية، لكننا نشدد على أخذ الأمور كما هي في الواقع، و ذلك عن طريق فهم ذواتنا و الاعتراف بمشاعرنا بطريقة مجردة.
و أخيرا و ليس آخرا، من المهم جدا في هذه المرحلة أخذ المعلومات من مصادر موثوقة، حتى لا ندع مجالا للشكوك و المزيد من الرعب الدخول إلى منازلنا.
دمتم بخير و سلامة. وبهذا الشأن نشرت منظمة الصحة العالمية مجموعة نصائح لبعض الاعتبارات التي علينا اتباعها للحفاظ على صحتنا العقلية والنفسية، ونصت إحداها على متابعة آخر تطورات الفيروس خلال أوقات محددة من اليوم، و فمرة واحدة أو مرتين كحد أعلى.
اعتن بنفسك أكثر لتستطيع الاعتناء بأحبائك..أشعر أكثر و تحدث عن مشاعرك واجعلها لحظات تجلي.
دمتم بخير!