كتب وتصوير – كريم إمام

عرض الإثنين فيلم بعنوان Stranger at home "غريب في وطنه" على مسرح باربيكان في إطار مهرجان الفيلم الفلسطيني في لندن المقام خلال الفترة من ١٥ حتى ٣٠ من نوفمبر الجاري، وذلك بحضور مخرجه الهولندي رادولف فان دير بيرج.

الفيلم الذي أنتج في العام ١٩٨٥ يتتبع رحلة عودة الفنان والمؤرخ الفلسطيني كمال بُلاّطة للقدس بعد حصوله على الجنسية الأميركية ليجد الصديقان أنفسهما أكثر انغماسا في حقيقة الصراع المؤلمة بين اليهود والفلسطينيين، وهي المرة الوحيدة التي زار فيها مدينته قبل وفاته العام الماضي ودفنه فيها بعد مجهودات حثيثة من قبل محاموه وأفراد عائلته. 

وقبيل عرض الفيلم أشار المخرج إلى صعوبة الاحتفاظ بنسخة ١٦مم من الفيلم وأن هذه المرة الأولى التي يشاهد فيلمه منذ ٣٣ عاما، لافتا إلى أنه يشعر بأنه فيلم لشخص آخر.

قراءة في التغريب روحيا

وقال القائمون على المهرجان أنه تم تعديل هذه النسخة النادرة لتتوافق مع آليات العرض السينمائية. وأضاف المخرج: الأمر المذهل هو أن الفيلم يتحدث عن الصداقة في جو سياسي حانق وللأسف منذ ٣٥ عام إلى اليوم لم يحدث أي تغيير على الأقل إيجابي في هذه القضية مشددا على أن الفيلم ليس تقريرا صحفيا عن فنان فلسطيني يعود لوطنه بعد سنوات الغربة، وإنما هو قراءة في التغريب روحيا وليس فقط جسديا،موضحا أن الفيلم ليس رأي وإنما هو حالة من الارتباك! .

ممنوع من العودة!

ومنذ نصف قرن، مُنع كمال بُلّاطة من العودة إلى مدينته، لأنه كان في الخارج، من أجل إقامة معرض فنّي له في بيروت خلال العام 1967، حين وقوع الاحتلال. وقد فشلت جميع محاولاته للعودة إلى القدس، ولم يستطع العودة سوى مرة واحدة خلال زيارة قصيرة عام 1984، حيث قام فيلم 'غريب في وطنه' بتسجيلها. لكن رغم ذلك فقد بقيت القدس في قلبه وفنّه،وقد سجل الفيلم رحلة الفنان وزوجته مع المخرج والتي تخللتها العديد من المناقشات والرؤى حول القضية الفلسطينية وأوضاع سكان القدس تحت الاحتلال.

وقال رادولف بعد عرض الفيلم: التقينا انا وكمال في العام ١٩٨٠ عندما حضر عرض لفيلمي الذي كان قد وزع في أمريكا وكان يتحدث عن الهوية اليهودية وماذا يعني الناس عندما يصفونني كيهودي، وفي تلك الأيام كان هذا سؤالا مختلفا. وعندما شاهد كمال الفيلم بواشنطن جاء وطلب مني الذهاب معه للغذاء اليوم التالي، وأصبحنا أصدقاء.. بعدها قال لي أنه سيذهب إلى القدس فماذا عسانا أن نفعل؟ فقررنا أن نذهب سويا، بالرغم من الصعوبات العديدة، فقد كان من الصعب التخطيط لفيلم في هذا الوقت من حيث الإنتاج، وقد أقنعت الفريق الذي عمل معي في الفيلم السابق أن يأتوا معي إلى القدس. 

وردا على أسئلة الحضور عن مدى تطعيم الفيلم برأيه الشخصي، في فيلم هو بالأساس تسجيلي أشار رادولف أنه عندما قدم هذا الفيلم كان بعد أول تجربة لفيلم روائي طويل، وأن أي دراما هي عن نوع من الصراع، وبالتالي أردت أن يكون هناك صراعا، وأن يكسب كمال هذا الصراع. 

وأضاف: الفيلم هو عن الارتباك، هو وثائقي ولكنه غير موضوعي:" ليس عني ولكن عن كمال الذي استخدمته كممثل، وهو أمر كان يعيه جيدا ولكنه أراد أن يوضح رأيه الشخصي"، لافتا إلى أنه لا يريد أن يضع رأيه في الجدل الدائر حول الصراع. 

وفي سؤال آخر عن رفضه لاستخدام كلمة الفاشية في وصف إسرائيل قال: أعتقد أن الوضع تغيّر عن ما كان عليه منذ ٣٥ عام للأسوأ، ولكن غالبا إن استُخدمت هذه الكلمة سأعترض عليها اليوم أيضا، ولكن الوضع اليوم بالطبع مختلف.. الفيلم هو عن اختلال ميزان القوة واستحالة وجود حل يرضي الجميع، فالجميع لا يرى ولا يسمع ولا يحب ولا يريد أن يتحدث مع الآخر. 

وعندما سئل عن رؤيته لحق العودة قال: لا بد أن يكون هناك حل عملي يسمح بحق العودة، إن كان هناك حل عملي فبالطبع أؤيده، وإن لم يكن هناك حلا فعلينا أن نرى كيفية إيجاد حل لهؤلاء المهجرين.

جدير بالذكر أن بُلاّطة درس الرسم والتصوير في مرسم خليل حلبي، في حي باب الخليل بالقدس، حيث رسم بورتريهات وحارات وعمران القدس في مرحلته الأولى، ودرس في أكاديمية الفنون الجميلة، بروما بين عامَي 1960و1965. وتابع دراساته لاحقا في واشنطن (1968–1971) في كلية كوركوران لمتحف الفنون الجميلة.

وعاش الفنان الراحل في الولايات المتحدة، وفرنسا، والمغرب، ولبنان، وحصل على منحة تفرغ لدراسة الفن الإسلامي بالمغرب من مؤسسة فولبرايت 1993 و1994.

أقام بُلاّطة عدة معارض شخصية في القدس، وعمّان، وأبو ظبي، والمنامة، وبغداد، والرباط، وباريس، وموسكو، وأوسلو، وطوكيو، ولندن، وأمستردام، كذلك في المتحف الوطني الأمريكي بواشنطن، وفي متحف كوبريونيون بنيويورك عام 1988، واشتهر برسم بعض أغلفة المجلاّت في بيروت. صدر له كتاب "استحضار المكان – دراسة في الفن التشكيلي الفلسطيني المعاصر" عام 2000، بتونس اشتمل على 300 صورة لأعمال فنية لفنانين فلسطينيين، بترشيح من وزارة الثقافة الفلسطينية، ودعم من المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة التابعة للجامعة العربية، حيث تفرّغ ثلاث سنوات لإنجازه، وهو الكتاب الرابع عن الفن التشكيلي الفلسطيني، بعد كُتب المناصرة 1975 – شمّوط 1989 – محظيّة 1997.

لا تنس مطلقا تنظيف شفرة هتمل ومضاعفة التحقق من المحتوى قبل نشر مقالة! حافظ على نظافة المحتوى عبر الإنترنت.

السابق ضجة بسبب مشاركة عمرو واكد مع إسرائيلية في فيلم أميركي
التالي الفنان الفلسطيني عمر كمال يتحدث لعرب لندن قبيل حفلته في عاصمة الضباب