عرب لندن

تلقت وزيرة المالية رايتشل ريفز تحذيرات شديدة اللهجة من كبار قادة الشرطة بشأن ما وصفوه بـ"انهيار" جهاز الشرطة في إنجلترا وويلز، في ظل أزمة نقص الرواتب وضغوط العمل المتزايدة، ما يدفع العديد من الضباط إلى مغادرة الخدمة، بينما تُضطر القوات إلى خفض أعدادها لتقليص النفقات.

ووجه نيك سمارت، رئيس جمعية رؤساء الشرطة، وتيف لينش، القائمة بأعمال رئيس اتحاد شرطة إنجلترا وويلز، رسالة مشتركة عبر صحيفة "التلغراف"، أكدا فيها أن الشرطة في أزمة حقيقية، وأن المعنويات في أدنى مستوياتها. وقالا: "عندما يُضطر شرطي شاب إلى التساؤل إن كان سيتمكن من دفع إيجاره، أو عندما يغادر محققون متمرسون بعد سنوات من الخدمة بسبب الإنهاك، فهذا مؤشر خطير على اهتراء المؤسسة من الداخل".

وما يزيد الضغط على ريفز هو استمرار الخلافات مع وزيرة الداخلية إيفيت كوبر حول تخصيصات وزارة الداخلية، في وقت تستعد فيه للإعلان يوم الأربعاء عن مراجعة شاملة للإنفاق العام ستُحدد موازنات الوزارات الثلاثية للسنوات المقبلة. ورغم توصل وزيرة المجتمعات المحلية أنجيلا راينر إلى تسوية بشأن تمويل مشاريع الإسكان مساء الأحد، بقيت كوبر وحدها في مفاوضات التمويل المعقدة.

ووفقًا لمعلومات صحيفة "التلغراف" Telegraph، ستشهد ميزانية الشرطة زيادات فعلية خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، ما يُعد دفعة في اتجاه دعم جهود مكافحة الجريمة. ومع ذلك، تحذر مصادر شرطية من أن تلك الزيادة قد لا تُترجم إلى تعزيز فعلي في عدد الضباط، ما لم تُقرن بخطة تمويل مفصلة وعادلة.

ووجه القادة الشرطيون تحذيرًا لوزارة الخزانة، مشيرين إلى أن اللحظة تتطلب توافق الخطاب السياسي مع قرارات استثمارية واقعية. وأضافوا: "الحديث عن الصرامة في مكافحة الجريمة لا يكفي، بل المطلوب هو تمويل فعلي وملموس".

وما تزال الأزمة تُلقي بظلالها الثقيلة على المؤسسة الشرطية، إذ تشير البيانات إلى مغادرة أكثر من 9000 ضابط للخدمة خلال العام الماضي، وهو أعلى رقم مُسجل حتى الآن. وتُكافح القوات للاحتفاظ بعناصرها واستقطاب كفاءات جديدة، في ظل بيئة عمل مرهقة، وأجور متدنية، وظروف لا تتيح الاستقرار المهني أو الأسري.

ورغم إعلان حزب العمال عن تخصيص 1.2 مليار جنيه إسترليني إضافية لدعم الشرطة، تخطط شرطة العاصمة لتقليص أعدادها بنحو 1500 ضابط هذا العام، حيث تستهلك زيادات الرواتب الحصة الأكبر من التمويل الجديد. ويُرتقب أن تُكشف تفاصيل ميزانية الشرطة للسنوات المالية 2026/2027، 2027/2028، و2028/2029 خلال الأسبوع الحالي، وسط تأكيدات بأنها ستتجاوز نسبة التضخم، لكنها لا تزال غير كافية بنظر القيادات الأمنية.

وفي ظل تعثر قطاعات عامة أخرى كالرعاية الصحية والاجتماعية، تُجبر الشرطة على تولي مهام لا تدخل ضمن اختصاصها، ما يؤدي إلى ضياع نحو 80 ألف ساعة عمل شرطية سنويًا في الإشراف على مرضى ينتظرون العلاج النفسي، بدلًا من التفرغ لمكافحة الجريمة.

وتُظهر الأرقام أن الرواتب الحقيقية للضباط تراجعت بأكثر من 20% منذ عام 2010، ما فاقم من تدهور الروح المعنوية وساهم في ارتفاع معدلات الاستقالة. كما تُفرض على كبار الضباط أعباء متزايدة تتطلب عملًا دائمًا وتجاوزًا للقوانين المفترض أن تحميهم.

ويُطالب قادة الشرطة الآن بإصلاح جذري يشمل رفع الرواتب المبدئية، وإنشاء نظام مستقل وعادل لمراجعة الأجور بعيدًا عن تدخلات وزارة الخزانة، وتقديم تمويل مستدام يتيح التخطيط طويل الأجل وتوفير بيئة عمل تدعم رفاهية الضباط.

وقال مصدر شرطي مطلع: "هناك نوعان من التسويات الممكنة: إحداها سطحية بالكاد تواكب التضخم، والأخرى حقيقية تُعالج جذور الأزمة وتُعيد الثقة للمؤسسة. نأمل أن تختار الحكومة المسار الثاني، لكننا نترقب التفاصيل".

من جانبه، هاجم وزير الداخلية في حكومة الظل كريس فيلب سياسات حزب العمال، مؤكدًا أن الحكومة اختارت إنفاق مليارات على مشاريع خضراء ومطالب نقابية بدلًا من تعزيز جهاز الشرطة. وقال: "على الرغم من أكبر زيادة ضريبية منذ جيل، نحن نشهد تراجعًا في أعداد الضباط... الأمر لا يتعلق فقط بالأرقام، بل بجوهر الأمن العام".

ختامًا، يتفق القادة الأمنيون على أن الجماهير تستحق شرطة مرئية وفعّالة، وخدمة أمنية على مستوى التحديات الحالية، وهو ما لن يتحقق إلا عبر التزام فعلي بإصلاح منظومة تمويل الشرطة بما يضمن استدامتها وقدرتها على حماية المجتمع.

السابق أزمة قانونية ودبلوماسية: كاميرون هدد مدعي الجنائية الدولية إذا لاحق نتنياهو!
التالي اليونيسف: أطفال المناطق الفقيرة في إنجلترا يواجهون أوضاعًا صحية وتعليمية مقلقة