عرب لندن
قبل أن يتولى كير ستارمر زعامة حزب العمال البريطاني، مر بمسار غني ومتنوع في مجالات متعددة، بدءاً من مهنة المحاماة في حقوق الإنسان إلى أن أصبح مدعي عام للدولة. وتعتبر تجربته الواسعة وقدرته الفائقة على العمل من أبرز العوامل التي تدفع به نحو القمة السياسية في بريطانيا، مع التحفظ من قبل البريطانيين من أصول عربية، على الخصوص، لاسيما إثر مواقفه الأخيرة من القضية الفلسطينية، ومما يقع في غزة من حرب إبادة.
ستارمر، البالغ من العمر 61 عامًا، هو الزعيم الذي ينتمي بشكل عميق إلى الطبقة العاملة، والذي يحمل اسمه تيمنًا بمؤسس حزب العمال، كير هاردي. يتميز بنظاراته السوداء وشعره الرمادي، مما يضفي عليه طابعاً من الغموض والجدية في نفس الوقت، ويجعله شخصية لا تُنسى في عيون ناخبيه الذين يعدون بإعادته إلى داونينغ ستريت بعد الانتخابات القادمة.
يراه البعض انتهازيًا، ولاسيما البريطانيون من أصول عربية، الذين وجدوا فيه شخصا منقلبا على كل مبادئ الحزب، وسيما تلك التي بناها كوربين، الزعيم السابق، ولكن مؤيديه يشيرون إلى أنه إداري براغماتي يدير منصب رئيس الوزراء بالطريقة نفسها التي نجح بها في مهنته المهنية، مع الحرص الدائم على استخدام الحجج القانونية لدعم قراراته.
في خطابه خلال حملته الانتخابية، أكد ستارمر أن "السياسة يجب أن تكون تحت عنوان الخدمة"، مما يعكس التزامه العميق بخدمة الشعب قبل أي شيء آخر. وعلى الرغم من صورته العمومية كشخصية مملة، يعتبر منتقدوه أنه يملك شخصية خاصة وممتعة في مجالاته الخاصة.
لدى ستارمر زوجة تعمل في الخدمة الصحية الوطنية وطفلان في سن المراهقة، ما يضيف له جانبًا إنسانيًا ويظهر التوازن الذي يحافظ عليه بين حياته المهنية والشخصية.
ولد ستارمر في لندن في العام 1962، ونشأ في منزل ضيق مع والدة تعاني من مرض خطير وأب بعيد عاطفيًا. يعتبر نشأته وتجربته الشخصية الأساسية التي تشكلت من خلالها قناعاته والتزاماته الاجتماعية والسياسية.
تعلم ستارمر العزف على الكمان في المدرسة، وأثناء دراسته القانونية في جامعات ليدز وأكسفورد، اتجه نحو القضايا اليسارية والنقابات العمالية، ودافع عن الناشطين والمنظمات التي تعمل على الدفاع عن حقوق الإنسان.
وفي سياق شخصي، يتمتع ستارمر بصداقة وثيقة مع محامية حقوق الإنسان أمل كلوني، مما يبرز تواصله مع القضايا الاجتماعية الراهنة وتعاطفه مع القضايا الإنسانية.
بدأ ستارمر مسيرته السياسية في عام 2003، عندما اقترب من المشهد السياسي بشكل مفاجئ، مما أثار صدمة لأصدقائه وزملائه القدامى. ومنذ ذلك الحين، نجح في تولي مسؤوليات عدة، بما في ذلك تنفيذ قوانين حقوق الإنسان في إيرلندا الشمالية، وخدمة كمدعي عام للنيابة العامة في انكلترا وويلز.
على مدى السنوات الأخيرة، قاد ستارمر حملات قضائية هامة تتعلق بفضائح استغلال نفقات أعضاء البرلمان، والتنصت على الهواتف، وإدارة الاضطرابات الاجتماعية، مما دفع إليه منح لقب الفارس من الملكة إليزابيث الثانية، على الرغم من ندرة استخدامه لهذا اللقب.
بدأت قصة نجاح ستارمر تتوسع بعد فوزه بمقعد في البرلمان عام 2015، ومنذ ذلك الحين، شهد مساره السياسي انتصارات وتحديات عديدة، مما جعله شخصية محبوبة لدى منتقديه ومؤيديه على حد سواء.
رغم التحديات التي يواجهها، يظل ستارمر مصرًا على إعادة تموضع حزب العمال البريطاني والعودة به إلى مركز السلطة، بالحفاظ على التزامه بالقيم الاجتماعية والاقتصادية التي يؤمن بها.
باختصار، هناك من يعتقد بأن كير ستارمر يمثل نموذجاً للقيادة الديمقراطية التي تمزج بين القدرة على صنع القرارات الصعبة والتفاني في خدمة الناس، مما يجعله خياراً واعداً لتولي رئاسة الحكومة البريطانية في المستقبل القريب. وهناك من يرى فيه وصوليا ليس إلا، استعمل حزب العمال، وربما يستعمل الحكم أيضا.