بقلم نواف التميمي

فرح مناصرو الحق الفلسطيني في سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما صوّت شباب العمال البريطاني في مؤتمر الحزب السنوي العام، وبأغلبية ساحقة، لصالح إدانة النكبة المستمرّة في فلسطين، واستنكروا اقتحامات إسرائيل المتوالية للمسجد الأقصى وسياسات التهجير المتعمّد في أحياء القدس الشرقية، وحروب إسرائيل المتكرّرة على غزة، ورحّبوا بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في جرائم إسرائيل، وأكّدوا على ربط نشاط إسرائيل الاستيطاني بكل جرائم الفصل العنصري التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المحتلة. واعتبر أنصار فلسطين في بريطانيا تلك المواقف إشارةً مهمةً على تعافي الحزب من سطوة صهيونية أصابته في السنوات الأخيرة، اشتدّ خلالها النزاع داخل الحزب بين تيار اليسار التقليدي المناصر للحقوق الفلسطينية (وأبرز رموزه الزعيم السابق للحزب، اليساري العتيق جيريمي كوربين) وتيار "الطريق الثالث" أو "التيار البليري" الأقرب إلى اليمين، الميّال إلى إسرائيل، ويمثله زعيم الحزب ورئيس الوزراء الأسبق، توني بلير. غير أن فرحة أنصار الحقوق الفلسطينية لم تكتمل، إذ عاد زعيم الحزب الحالي، كير ستارمر، والمحسوب على التيار البليري، إلى مغازلة اللوبي الصهيوني وإبداء الإعجاب، بنفاق فجّ، بالمعجزة الإسرائيلية، مستحضراً خلال خطاب أمام مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال كلام رئيس الوزراء البريطاني، هارولد ويلسون (1916-1995)، عندما قال في الستينيات من القرن الماضي إن "الديمقراطيين الاشتراكيين في إسرائيل جعلوا الصحراء تزهر".

لا يخفي ستارمر دعمه إسرائيل، وهو القائل خلال حملته الأولى للفوز بزعامة الحزب في العام 2020 "إنني أؤيد الصهيونية بدون حدود". وفي مقابل ذلك، يرفض الرجل إبداء أي موقف صريح تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، بل إنه رفض تَسلّم عريضة من ممثلي "حملة التضامن مع الشعب الفلسطيني" تتضمّن التأكيد على حق العودة للفلسطيني. كما تعهد سابقاً بتبنّى جميع مطالب تجمع النواب اليهود في بريطانيا، الممثل الوحيد للجاليات اليهودية في البلاد، ومن بين هذه المطالب السماح بتحقيقاتٍ مستقلةٍ في تهم "معاداة السامية والطرد المباشر من الحزب لكل من يُشتبه في أنه معاد للسامية". وتقديراً لمواقفه هذه، حاز ستارمر، ثقة اللوبي الصهيوني البريطاني وتمويله، إذ تبنّى رجل الأعمال تريفور تشين حملةً بين أثرياء مؤيدين لإسرائيل لجمع آلاف الدولارات لتمكين ستارمر من الظفر بقيادة حزب العمال. وقد بادر، فور فوزه بزعامة الحزب، إلى تقديم اعتذار رسمي للجاليات اليهودية التي "تأذّت من سلوكيات معادية للسامية داخل الحزب"، حسب تعبيره، متعهداً بالقضاء على هذه الظاهرة التي وصفها بـ"مثل السمّ".

ولا تخفي ملاحظة كيف تجنّد تيار توني بلير، بالتحالف مع اللوبي البريطاني المؤيد لإسرائيل، لإطاحة الزعيم العمالي اليساري جيريمي كوربين، الذي فاز بزعامة الحزب في العام 2016. وازداد ضغط اللوبي الصهيوني على قيادة الحزب منذ سبتمبر/أيلول من العام 2014، عندما اتخذ زعيم الحزب السابق، إد ميليباند، وهو نجل يهودي ناج من الهولوكوست، مواقف متعارضة مع مجلس الممثلين اليهود في بريطانيا، وانتقد الحرب الإسرائيلية على غزة في 2014، ودعا نواب الحزب إلى دعم مشروع قرار الاعتراف بالدولة الفلسطينية. واكتملت دائرة الضغط على كوربين وتياره بحملات تحريض فجّرها حزب المحافظين وإعلامه اليميني ضد القيادات اليسارية المؤيدة لكوربين وخطّه السياسي، كان أشدها اتهامه بمعاداة السامية ودعم منظمات وشخصيات إرهابية، لا لشيء إلا بسبب مواقفه الشجاعة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي والمؤيدة للحقوق الفلسطينية المشروعة.

ولا يقف اللوبي المؤيد لإسرائيل خارج معركة التنافس بين التيارين اليساري والبليري داخل حزب العمال البريطاني، إذ يجاهر قادة المنظمات الصهيونية منذ العام 2014، يوم صوّت أغلبية نواب الحزب لصالح الاعتراف بالدولة الفلسطينية وإدانة السياسات الإسرائيلية، بدعم تيار توني بلير المؤيد لإسرائيل، ممثلاً بزعيم الحزب الحالي، كير ستارمر، في مقابل حملاتٍ من التشويه والإقصاء تعرّض لها جيرمي كوربين. ومنذ إطاحة الأخير، المُتهم بـ"التسامح مع تفشّي معاداة السامية" داخل الحزب، بات دعم إسرائيل ونيل رضا اللوبي الصهيوني مقياس تمايز للمتنافسين على زعامة حزب العمال البريطاني.

المصدر: العربي الجديد

 

 

 

السابق ماذا يحدث بعد الانتخابات العامة ومتى يستأنف البرلمان؟
التالي ترامب يهنئ فاراج بفوزه في الانتخابات البرلمانية البريطانية