عرب لندن
بعد الهزيمة الساحقة التي تعرض لها في الانتخابات العامة أمام حزب العمال، يتعين على حزب المحافظين البريطاني، الذي يعاني من انقسامات عميقة، أن يعيد تشكيل نفسه، فيما حذر القادة اليمينيون من أنه قد يواجه خطر الزوال ما لم يبدأ الاستماع إلى قاعدته الانتخابية.
لم يشهد حزب المحافظين هزيمة بهذا الحجم منذ أكثر من قرن، حيث خسر ثلثي نوابه في مجلس العموم مقارنة بالعام 2019، ليصبح عددهم 121 بعدما كان 365. وأسقط الناخبون حوالي عشرة وزراء ورئيسة الوزراء السابقة ليز تراس، بعدما أن طفح بهم الكيل من الصعوبات الاقتصادية، ومن عدم الوفاء بالوعود، وصعوبات الحصول على العلاج في مرافق الخدمة الصحية العامة، وعدم الاستقرار السياسي مع تعاقب ثلاثة رؤساء وزراء محافظين في العامين الماضيين.
في المملكة المتحدة، يكون رئيس الوزراء زعيم الحزب الذي يضم أكبر عدد من النواب. وقد أعلن ريشي سوناك، الذي خلفه زعيم حزب العمال كير ستارمر على رأس الحكومة، استقالته من زعامة حزب المحافظين "بمجرد أن يصبح كل شيء جاهزًا لتعيين خلفه".
وساهم حزب إصلاح بريطانيا المناهض للهجرة بقيادة نايجل فاراج، الذي ارتبط اسمه ببريكست، في إحداث الضرر من خلال تقسيم أصوات اليمين، وحصد أصوات في الدوائر الانتخابية الرئيسية.
واحتفظت وزيرة الداخلية السابقة، سويلا بريفرمان، وهي يمينية متشددة حيال الهجرة، بمقعدها لكنها أصرت على تقديم الاعتذار للناخبين وقالت: "أنا أعتذر لأن حزبي لم يستمع إليكم، لقد خذلكم حزب المحافظين... وسأبذل كل ما في وسعي لإعادة بناء الثقة".
ولكن كيف ستقوم بذلك؟ وما سيكون الوجه الجديد لحزب المحافظين الذي أصبح يمينيًا بشكل متزايد وبات الآن مهددًا من حزب إصلاح بريطانيا؟
وبينما يسعى نايجل فاراج إلى أن يصبح حزب المعارضة الجديد في الانتخابات التشريعية المقبلة في العام 2029، فقد عددت بريفرمان، التي ينظر إليها كزعيمة محتملة للمحافظين، القضايا التي دفعت العديد من الناخبين إلى ترك حزب المحافظين والتصويت لحزب إصلاح بريطانيا. وكتبت في صحيفة "ديلي تلغراف": "فشلنا في الحد من الهجرة والضرائب وفي التعامل مع (الووك' (woke - أي اليقظة حيال الإساءات العنصرية والتمييز".
وأعربت العديد من الأصوات البارزة داخل حزب المحافظين عن قلقها بشأن وضع الحزب في السنوات الأخيرة. فقد استقال ديفيد فروست، الذي قاد مفاوضات بريكست، من حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون في ديسمبر 2021، منتقدًا زيادة الضرائب.
من جانبه، دعا فروست إلى إنشاء "حركة جديدة، حركة محافظين إصلاحية" تستبعد "الذين يجب أن يكونوا في أحزاب يسارية" وأولئك "المسؤولين عن الاستراتيجية التي أفضت إلى الكارثة الحالية".
وقال مايكل كيني، مدير معهد بينيت للسياسات العامة في جامعة كامبريدج، لوكالة فرانس برس: "ستظهر بسرعة مشكلة طريقة التعامل مع نايجل فاراج". وأوضح كيني أن بعض المحافظين يريدون زعيمًا يستطيع توحيد الحزب ولكن يقطع الطريق على فاراج، فيما سيبحث آخرون عن شخص يمكن أن يكون "أكثر انفتاحًا على فكرة الاندماج مع حزب إصلاح بريطانيا".
من ناحيته، حذر بوريس جونسون، اليوم السبت، من احتمال مماثل، داعيًا الحزب للعودة إلى المواضيع التي أدت إلى فوزه في العام 2019. وكتب في عموده في صحيفة "ديلي ميل": "ليس علينا أن نجرب استيعاب أحزاب أخرى، ونمتص حيويتها كأن خزعة من غدة قرد تم زرعها في جسمنا".
ولكن فيليب كاولي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة كوين ماري في لندن، دعا إلى عدم تضخيم المسألة. وأشار إلى أنه في العام 1992، بعد فوز المحافظين الرابع على التوالي، "كثر الحديث عن أن بريطانيا أصبحت الآن دولة حزب واحد، لكن حزب العمال حقق أكبر انتصار له بعد خمس سنوات".
كذلك، حتى خلال سنوات حكم توني بلير وغوردن براون، أكد معلقون أنه من غير الممكن أن يفوز المحافظون مجددًا. ولكن العكس حصل في العام 2010 مع ديفيد كاميرون. وختم فيليب كاولي بالقول: "ما يعطيه الناخبون، يمكنهم استعادته".