عرب لندن - محمد عايش 

لأول مرة يبدو العربُ والمسلمون عاملاً مؤثراً، بل حاسماً في الانتخابات العامة التي تشهدها بريطانيا يوم الرابع من تموز/ يوليو 2024، ولأول مرة يتلمس المراقبون والمتابعون تأثيراً واضحاً لهم في الدعاية الانتخابية، وأحاديث الأحزاب السياسية، والسبب الرئيس في ذلك يعود إلى الحرب الإسرائيلية العدوانية التي تستهدف قطاع غزة، وتحولت إلى قضية رأي عام مهمة لدى الشارع البريطاني.

الانتخابات البريطانية من المقرر أن تؤدي إلى انتخاب أعضاء جدد في مجلس العموم، الذي يتكون من 650 مقعداً، وفور انتهاء الانتخابات، فإن الحزب الفائز بأغلبية المقاعد في البرلمان سيُشكل الحكومة المقبلة، وفي حال لم يتمتع أي حزب بالأغلبية (وهو الأرجح في هذه الانتخابات)، فإن من يستحوذ على أكبر عدد من المقاعد سوف يشكل حكومة ائتلافية من الفائزين الآخرين، بما يضمن في نهاية المطاف أن تكون الحكومة مغطاة بدعم من أغلبية أعضاء البرلمان.

أغلب التوقعات والاستطلاعات تشير إلى أن الانتخابات المقبلة سوف تشهد تغييراً ملموساً في بريطانيا، بما في ذلك تراجع كبير لحزب المحافظين الحاكم، ومع ذلك فهذا ليس هو المهم، بقدر التحول في القضايا التي تشغل الرأي العام وتحدد اتجاهاته، والتي أصبح من بينها قضية فلسطين، لأول مرة بعد شهور من المسيرات المليونية التي شهدها الشارع البريطاني، وجاءت تندد بالعدوان والاحتلال، وهي مسيرات حاولت حكومة حزب المحافظين التحريض ضدها، وتجريمها، والتضييق على المشاركين فيها لكنها فشلت. ثمة جملة من المستجدات والملامح المهمة التي تميز انتخابات العام الحالي 2024 عن غيرها، وتجعل منها استثنائية بكل المقاييس، وذلك بغض النظر عن نتائجها، وفي ما يلي أبرز هذه الملامح:

أولاً: يظهر على الساحة السياسية بقوة حزب عمال بريطانيا (Workers Party) الذي يقوده السياسي الشهير جورج غالاوي، ويخوض هذا الحزب الانتخابات بـ152 مرشحاً، من بينهم 30 مرشحاً عربياً، ومن بين هؤلاء الثلاثين خمسة مرشحين من أصول فلسطينية. والأهم من هذه التفاصيل أن المشروع الأساس الذي يتبناه هذا الحزب هو التضامن مع غزة، والمطالبة بوقف دعم دولة الاحتلال الاسرائيلي مالياً وعسكرياً. ومن المعروف طبعاً أن غالاوي هو أحد أشهر الساسة البريطانيين المتضامنين مع الشعب الفلسطيني، والداعمين للقضايا العربية، وكان أحد رموز حزب العمال (Labour Party)، لكنه استقال من الحزب منذ سنوات طويلة بسبب مواقفه السياسية، ومن بينها التحالف مع الولايات المتحدة في الحرب على العراق خلال فترة تولي توني بلير رئاسة الوزراء في لندن.

ثانياً: عشرات البريطانيين العرب يخوضون الانتخابات العامة هذه المرة، وهو مؤشر مهم على عزم الجالية العربية الانخراط في الحياة السياسية والتأثير فيها، وربما المرشح العربي الأبرز هو الرئيس السابق لحركة التضامن مع فلسطين البروفيسور كامل حواش، وهو أستاذ في جامعة «بيرمنغهام»، وتعود أصوله إلى مدينة القدس المحتلة، ويحظى بتأييد واسع في المنطقة التي يخوض فيها الانتخابات، كما يخوض الانتخابات أيضاً زعيم الجالية الأردنية حلمي الحراحشة، الذي هو أول بريطاني من أصول أردنية يخوض هذه التجربة على الإطلاق، ويخوضها أيضا الناشط الفلسطيني الغزاوي سامح حبيب، وكذلك الفلسطينية ندى جرش، وكل هؤلاء مؤشر على التحول الذي تشهده الجالية العربية في بريطانيا واندفاع أبنائها نحو المشاركة في الحياة السياسية في البلاد.

ثالثاً: لأول مرة في بريطانيا يلوح في الأفق «لوبي عربي» داعم للقضايا العربية، حيث تشكل في صيف العام الماضي «مؤتمر الجالية العربية» الذي استقطب نخبة الجالية العربية في بريطانيا، وتمكن لأول مرة من تأسيس جسم ممثل للجالية العربية، وقد خاطب المؤتمر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك مرتين بشأن الحرب على غزة، ورد سوناك أيضاً على خطاب المؤتمر في المرتين، ليتم بذلك تسجيل أول محادثات بين «الجالية العربية» والحكومة.

رابعاً: ثلاثة من أعضاء «مؤتمر الجالية العربية» يترشحون لانتخابات البرلمان البريطاني، ويحظون بتأييد ودعم من المؤتمر والجالية، وهم: البروفيسور كامل حواش، منى آدم، وحلمي الحراحشة، وهذه المرة الأولى التي يُمكن الإشارة فيها إلى أن للجالية العربية جسم يُمثلها ويقوم بتقديم الدعم والترشيح لمن يخوض الانتخابات، وأغلب الظن أن هذه إرهاصات تشكل لوبي عربي مكتمل الأركان، وسوف يزداد تأثيره في الحياة السياسية والعامة.

هذه الإشارات وغيرها دليل على أن أصوات العرب لم تعد هامشية في انتخابات بريطانيا، ودليلٌ على أن الجالية العربية أصبحت أكثر تأثيراً في الحياة السياسية في بريطانيا من أي وقت مضى، كما أن بعض القضايا العربية، وفي مقدمتها فلسطين هي واحدة من الملفات ذات التأثير المهم في توجيه أصوات الناخبين، وهذا ما يُفسر تغيير كير ستارمر موقفه مؤخراً، وحديثه عن الاعتراف بدولة فلسطينية، وكذلك التحول لدى الكثير من النواب في الأسابيع الأخيرة نحو المطالبة بوقف إطلاق النار في غزة، على الرغم من أنهم صوتوا سابقاً مع استمرار الحرب الإسرائيلية لا وقفها.

 

 

 

 

 

 

 

السابق نداء للعرب والمسلمين البريطانيين .. هذه انتخابات تاريخية
التالي من يلبس عباءة الإسلام ويتمسح بالعروبة ولمن أعماله تتناقض مع مبادئه