محمد أمين
رئيس تحرير منصة "عرب لندن"
طرق بابي قبل أيام النائب العمالي عن منطقتي طامعا في صوتي، وكنت قد طرقت بابه في أكتوبر ونوفمبر الماضيين مطالبا إياه بالعمل لوقف حرب الإبادة على أبناء بلدي في فلسطين، ولم أسمع منه سوى تكرارا لموقف زعيمه الداعم لإسرائيل كير ستارمر، وتبريرا لاستمرار الحرب على غزة، مع حديث لا يعني شيئا عن حرصهم على إيصال المساعدات وصل أخيرا في نوفمبر إلى مباركة قطعها، فقد وافق زعيم حزب العمال كير ستارمر على قطع الكهرباء والماء والغذاء عن أطفال ونساء ومدنيي غزة، ويأتي اليوم نائبه عن منطقتي ليطرق بابي، معتقدا أن ذاكرتنا سمكية، لقد سمع ما لا يسره وذكرته بأنهم حزب دعم الإبادة الجماعية، وبأن يده ارتعشت ولم تصوت لوقف إطلاق النار، وأن لا نصيب له لا بصوتي ولا بأصوات من أعرفهم من العرب والمسلمين القاطنين في حيي، وطلبت منه المغادرة فورا.
وليس بعيدا عن العمال، حزب المحافظين الحاكم الذي يتنافس مع العمال في التصهين وإظهار الدعم الكامل لإسرائيل، وكان زعيمه ريشي سوناك من أوائل الواصلين لتل أبيب لإظهار التأييد لنتنياهو في حربه على مليونين ونيف من الأبرياء، ورغم عدم احترام نتنياهو له ونهره عند محاولة تقبيله، قبل سوناك الإذلال، واستمر في دعم نتنياهو ودولة الاحتلال في حربها الفاشية البربرية، فمن سوء حظ الجالية العربية والمسلمة في بريطانيا أن المعارضة والموالاة وجهان لعملة واحدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل.
ما السبيل؟ وما خيارات التصويت إذا؟
بتقديري، فإن الخيار يكمن في التزام مبدأ أخلاقي أساسي يتمثل في عدم التصويت لمن دعم حرب الإبادة، واعتبار ذلك معيارا أساسيا أخلاقيا ومبدئيا، والبحث عن الأحزاب الأخرى التي مواقفها أفضل مثل حزب الخضر وحزب الأحرار الديمقراطيين، وبطبيعة الحال إذا كان ثمة مرشح عربي في منطقتك فله الأولوية، ما لم يتقدم عليه مناصر كبير من البرلمانيين المخضرمين في دعم القضية الفلسطينية.
وإذا كانت خيارات منطقتك صعبة، فبرأيي إن عدم التصويت بحد ذاته موقف، هو موقف أخلاقي أساسي، لأن أسوأ ما يمكن حدوثه هو التصويت لنائب دعم حرب الإبادة، لابد برأيي للجالية من انتهاج سياسة التصويت العقابي، ليشعر كل من خذلهم بأن خسر، حتى لو ربح مقعده إنما خسر من خزان الأصوات الانتخابي للعرب والمسلمين البريطانيين.
هذه الانتخابات مختلفة جراء ما أحدثته الحرب على غزة من زلزال سياسي عابر للدول والقارات، في بريطانيا شكل انحياز لندن لتل أبيب وتطابق الموالاة والمعارضة في المواقف الداعمة لحربها على الشعب الفلسطيني شكل صدمة كبيرة في أوساط البريطانيين العرب، رغم المسيرات الكبرى الحاشدة التي جابت المملكة المتحدة شمالا وجنوبا تنديدا بالعدوان على غزة مطالبة بوقف إطلاق النار، الأمر الذي أماط اللثام عن وجود فجوة كبيرة بين التعاطف الشعبي البريطاني الواسع مع القضية الفلسطينية، ومواقف معظم السياسيين الانتهازية التي تغلب المصالح على المبادئ، باستثناء عدد قليل من النواب المتعاطفين مع قضية العدالة والتي تمثلها القضية الفلسطينية.
وفي هذا السياق عقد الثلاثاء 25 يونيو الماضي حوار مفتوح مع المرشحين العرب للانتخابات المقبلة عكس ذلك حجم التغير لدى الجالية العربية، الحوار الذي نظمته "منصة عرب لندن" كشف تأثير غزة على مقاربات الجالية العربية في بريطانيا، حيث قرر عدد من العرب الانتقال من كراسي الجمهور إلى ساحة الملاعب، فلأول مرة في تاريخ بريطانيا لدينا أكثر من 30 مرشحا من أًصول عربية وفلسطينية أعلنوا ترشحهم من أجل غزة ولرفع صوتها وصوت الجالية العربية في بريطانيا في حراك كبير يعكس تحولا كبيرا في الوعي والإدراك لدى الجالية العربية في بريطانيا لأهمية المشاركة السياسية تصويتا وترشيحا، والانخراط في العمل السياسي كمواطنين بريطانيين عبر الترشح للانتخابات وهنا لا بد من الإشارة لجملة معطيات:
1- يلمس حراك واسع في الساحة السياسية البريطانية من قبل العرب لجهة تنظيم نشاطهم عبر مؤتمر الجالية العربية الذي انطلق في يونيو الماضي، وولد جراء مبادرة عدد من المثقفين والنخب والناشطين والإعلاميين العرب الذين تنادوا لتأسيس مظلة عربية جامعة، وراسل هذا الجسم رئيس الوزراء خلال حرب الإبادة ورد سوناك على مؤتمر الجالية ما يمثل اعترافا به واهتماما كبيرا بهذه النواة التي تشكلت بتبني من "منصة عرب لندن" والتي تشكل المنصة العربية الأكبر للجالية واحتضان فعاليتاها.
2- هذه انتخابات تأتي مع استمرار حرب الإبادة على قطاع غزة ولأول مرة تتحول قضية سياسة خارجية لشأن انتخابي محلي، حيث بات الموقف من هذه الحرب وتصويت المرشح لوقف إطلاق النار من عدمه محددا ومعيارا أساسيا لإعادة انتخابه، خاصة بطبيعة الحال لدى الجالية العربية والمسلمة، والتي يشير الكتاب الصادر عن مؤتمر الجالية العربية لوجود قرابة 4 ملايين مسلم في بريطانيا على الأقل وقرابة مليون عربي، والأرقام ربما أعلى بكثير وفق التباينات التي أظهرتها الإحصاءات التي عرضها الكتاب.
3- عشرات البريطانيين العرب يخوضون هذه الانتخابات ما يعكس عزما عربيا على المشاركة السياسية الفاعلة والمؤثرة، ورغبة في تغيير قواعد اللعبة، وترجمة التضامن الواسع مع القضية الفلسطينية سياسيا، ومن هؤلاء ثلاثة من أعضاء مؤتمر الجالية العربية الذي تأسس في يونيو 2023 وهم: البروفيسور كامل حواش الرئيس السابق لحملة التضامن مع فلسطين، والسيدة منى آدم التي استقالت من حزب العمال احتجاجا على موقفه من حرب غزة، وتنزل للانتخابات عن حزب الخضر، والسيد حلمي الحراحشة الذي ينزل كمستقل للانتخابات وهو رئيس مجلس أمناء المنتدى الأردني في بريطانيا، وكذلك يلحظ ترشح مرشحين من أصول فلسطينيين بكثافة يرفعون شعار "من أجل غزة" مثل السيد سامح حبيب وهو ناشط سياسي فلسطيني معروف وعضو سابق بحزب العمال، ويترشح عن حزب " وركرز بارتي"، وكذلك ندى جرش وهي شابة فلسطينية تترشح كذلك تحت ذات الشعار.
4- تأتي هذه الانتخابات وسط حراك واسع في أوساط الجالية العربية تقوده منصات عربية مثل مؤتمر الجالية العربية، والذي يعد الأول من نوعه لجهة التنوع الكبير في أعضائه وكذلك منصة "عرب لندن" والتي نظمت ورش عمل وندوات ولقاءات للمرشحين العرب للانتخابات البرلمانية لجهة رفع الوعي بضرورة المشاركة السياسية.
5- ثمة صعود متنام لليمين المتطرف في بريطانيا ممثلا بحزب الإصلاح الذي يقوده اليميني المعادي للمهاجرين نايجل فراج، وفي عموم أوروبا ما يدق ناقوس الخطر لدى الأقليات والمهاجرين الذين، رغم كونهم مواطنين بريطانيين كاملي الحقوق، إلا أن بعض هذه الأحزاب تستهدفهم وتحرض ضدهم.
هي إذا انتخابات مفصلية، بكل المعاني، فيها تراجع واضح للثقة بالأحزاب الكبرى، وتعاظم فرص الأحزاب الأصغر مثل الديمقراطيين الأحرار وحزب الخضر وكذلك المستقلين، هذه انتخابات غزة، وفرصة للمرشحين العرب وللجالية لإثبات نفسها وحجمها ووزنها في سياق إيصال صوتها، وهذه رسالة أيضا للعرب البريطانيين بضرورة التصويت العقابي لكل من دعم حرب الإبادة بغزة أو ببرها، ومساندة كل من وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، ورفض إبادته وطالب بالعدالة؛ لأن قضيته قضية عدالة، هي كذلك رسالة للجالية العربية بدعم وإسناد المرشحين العرب.