بقلم: المستشار علي القدومي

 

في عالمنا المعاصر، نشهد تناقضات صارخة بين ما يعلنه البعض من التزام بالمبادئ الإسلامية والعربية وبين ما يقومون به من أفعال. هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون عباءة الإسلام ويتمسحون بالعروبة ظاهرياً، لكن تصرفاتهم وأعمالهم اليومية تناقض القيم الأساسية التي يدعونها. هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها أصبحت أكثر وضوحاً في ظل التحولات الاجتماعية والسياسية التي يشهدها العالم العربي والإسلامي.

 الإسلام والعروبة: قيم سامية وأهداف نبيلة

 الإسلام، كدين عالمي، يركز على مجموعة من القيم السامية مثل العدل، والمساواة، والرحمة، والتسامح، واحترام حقوق الإنسان. النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) في خطبته الأخيرة أوصى بأهمية العدل وعدم التمييز بين الناس على أساس العرق أو اللون، مؤكدًا على أن "لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى".

 أما العروبة، فهي هوية ثقافية وحضارية تجمع بين شعوب متعددة اللغات والأديان تحت مظلة قيم مشتركة مثل الكرم، والشجاعة، والتضامن. العروبة تدعو إلى الوحدة والتعاون بين الدول العربية لتحقيق التقدم والازدهار المشترك.

 التناقض بين المبدأ والممارسة

 رغم هذه المبادئ السامية، نرى العديد من الأفراد والجماعات الذين يدّعون الالتزام بالإسلام والعروبة لكنهم في الواقع يتصرفون بطرق تناقض تماماً ما يدعون إليه. هذه التناقضات تتجلى في عدة مجالات، أبرزها:

 الظلم والفساد

في العديد من الدول الإسلامية والعربية، نجد مسؤولين يستخدمون الدين والعروبة كأداة لتبرير سلطتهم واستمرارها، بينما يمارسون الظلم والفساد. هؤلاء المسؤولين يتحدثون عن العدالة والمساواة في خطبهم، لكنهم في الواقع يستغلون مناصبهم لتحقيق مكاسب شخصية على حساب شعوبهم.

 التمييز والعنصرية

على الرغم من أن الإسلام يدعو إلى المساواة وعدم التمييز، نجد بعض الأشخاص يمارسون التمييز والعنصرية ضد الآخرين بناءً على العرق أو الدين أو الطائفة. هذه التصرفات تتناقض مع التعاليم الإسلامية التي تدعو إلى احترام كرامة الإنسان بغض النظر عن خلفيته.

 انتهاك حقوق الإنسان

 حقوق الإنسان تعد من القيم الأساسية في كل من الإسلام والعروبة. ومع ذلك، نجد العديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان في بعض الدول العربية والإسلامية، مثل الاعتقالات التعسفية، والتعذيب، وقمع الحريات. هذه الأفعال تتناقض بشكل صارخ مع المبادئ التي يروجون لها.

 النفاق الاجتماعي

النفاق الاجتماعي هو ظاهرة شائعة بين من يدعون الالتزام بالإسلام والعروبة، لكنهم في الواقع يتصرفون بطرق تناقض قيمهم المعلنة. على سبيل المثال، نجد بعض الأشخاص يتحدثون عن أهمية الحجاب والحشمة، لكنهم في الخفاء يمارسون سلوكيات غير أخلاقية. هذا النفاق يؤدي إلى فقدان الثقة في القيم والمبادئ التي يدعونها.

 دور المجتمع في مواجهة التناقضات

 من المهم أن يكون المجتمع واعياً لهذه التناقضات وأن يسعى إلى مواجهتها من خلال:

 1. التوعية والتعليم : يجب تعزيز الوعي بالقيم الإسلامية والعربية الحقيقية من خلال التعليم والتربية. هذا يتطلب مناهج تعليمية تركز على القيم والأخلاق بجانب المعرفة الأكاديمية.

 2. النقد البناء : يجب أن يكون هناك نقد بناء ومفتوح للأفراد والجماعات التي تتناقض أفعالها مع مبادئها المعلنة. هذا يتطلب إعلام حر ومستقل قادر على تسليط الضوء على هذه التناقضات دون خوف من الانتقام.

 3. المحاسبة والمساءلة: يجب أن يكون هناك نظام قضائي عادل ومستقل قادر على محاسبة المسؤولين والمخالفين للقيم والمبادئ الإسلامية والعربية. هذا يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإجراء الإصلاحات اللازمة.

 4. النماذج الإيجابية: يجب تعزيز وتقديم النماذج الإيجابية التي تجسد القيم الإسلامية والعربية في سلوكها وأعمالها. هذه النماذج تلهم الأجيال الجديدة وتقدم لها أمثلة حية على كيفية العيش وفق هذه القيم.

 الخاتمة

 في النهاية، من يرتدي عباءة الإسلام ويتمسح بالعروبة يجب أن يعكس هذه المبادئ في كل جوانب حياته. التناقض بين ما نقوله وما نفعله لا يؤدي فقط إلى فقدان الثقة، بل يضر بالمجتمعات ويحول دون تحقيق التقدم والازدهار. علينا جميعاً أن نعمل جاهدين لتجسيد القيم السامية التي ندعيها في أفعالنا، لأن الأفعال دائماً أبلغ من الأقوال.

السابق كيف يؤثر العرب والمسلمون في انتخابات بريطانيا؟
التالي بين التضامن والتخاذل