عرب لندن
مع ارتفاع معدلات سوء التغذية في أنحاء القطاع، يخشى الخبراء من أن يتعرض جيل كامل لخطر التقزم، بينما يبحث الأطفال عن الباذنجان في الحقول المهجورة لسد جوعهم.
وقد قضى الكثيرون أيامًا دون طعام، ولم يأكل آخرون أكثر من نصف قطعة من الخبز أو علبة من الفاصوليا، تقاسموها مع العديد من أفراد أسرهم.
وفي الأيام التي تصل فيها شاحنات المساعدات إلى المخيمات المترامية الأطراف التي تشكلت في جنوب غزة، يمكن رؤية نفس الأطفال، وهم يتدافعون بين الحشود يحملون الدلاء والمقالي في أيديهم، ويطلبون الطعام.
يقول أحمد البالغ من العمر 13 عاماً، وهو ينتظر الطعام في رفح، إلى جانب مئات آخرين، أنهم يحصلون على وجبة واحدة في اليوم، وهي عادة نصف قطعة من الخبز، بينما لا توجد مكونات تساعدهم على عيش حياتهم، وأنهم يريدون فقط العيش، وأن أقاربه يموتون أمام عينيه.
هذا هو الواقع الجديد للحياة في غزة، حيث يدفع انعدام الأمن الغذائي الخانق مئات الآلاف من الناس إلى سوء التغذية، ويخشى الكثيرون أن تصبح غزة على شفا المجاعة، التي يمكن أن تؤدي عواقبها إلى مقتل عدد أكبر من الناس مقارنة بالموت بالقنابل.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي، والذي يُعرف بأنه عدم القدرة على الوصول إلى الغذاء الكافي والمغذي لتلبية الاحتياجات الأساسية.
ومن بين هؤلاء، يقدر أن ما لا يقل عن نصف مليون شخص يواجهون "ظروفًا كارثية"، وهو أعلى مستوى مصنف لانعدام الأمن الغذائي الحاد، حيث يعاني الناس من فجوات غذائية شديدة وانهيار سبل عيشهم.
ويقول العاملون في المجال الإنساني على الأرض في غزة أن العديد منهم يقضون بانتظام ما يصل إلى ثلاثة أيام دون تناول الطعام، بينما شدد نوار اللبيدي، المسؤول الكبير في برنامج الأغذية العالمي، على الطبيعة الفريدة لأزمة الأمن الغذائي، وأن تأثير ذلك على إجمالي السكان أمر غير مسبوق.
وأضاف اللبيدي: "حتى أثناء الصراعات في اليمن والصومال، لم نكن أبدًا في وضع يعاني فيه 100% من السكان من انعدام الأمن الغذائي، بالنسبة لنا، تعتبر نسبة 40 إلى 60 بالمائة أمرًا مهمًا وهذا أمر فريد من نوعه بشكل لا يصدق".
الأطفال الصغار والرضع هم الأكثر عرضة للخطر، لأنهم يعتمدون بشكل خاص على الغذاء والتغذية لتغذية نموهم البدني والعقلي الناشئ، حيث تشير الأبحاث إلى أنه بدون إمدادات كافية من الطاقة في أول ألف يوم من حياة الطفل، يمكن أن يضعف نموه، مما يتسبب في أضرار جسدية ومعرفية لا رجعة فيها تُعرف باسم "التقزم".
ومع وجود أكثر من 135000 طفل دون سن الثانية في القطاع، يخشى الخبراء أن يكون جيل كامل الآن معرضًا لخطر هذه الحالة.
إذا كان الطفل يعاني من سوء التغذية، خاصة الأطفال أقل من عامين، فهو غير قادر على اللحاق معرفيًا بالأطفال الآخرين، ويمكن أن تطارد العواقب الوظيفية للتقزم الطفل طوال حياته، مما يعيق الأداء التعليمي، ويزيد من التعرض للأمراض المزمنة المرتبطة بالتغذية في حياة البالغين، ويقلل الإنتاجية في مكان العمل.
وقال أنورادها نارايان، كبير مستشاري التغذية في اليونيسيف، أن الدماغ يستهلك جزء كبير من السعرات الحرارية والمغذيات التي تساعد على نمو الطفل، وأن ما شهده كل طفل اليوم، من حيث الجوع وسوء التغذية، سوف يؤثر عليه مدى الحياة.
ومن الممكن أن يحدث التقزم بين الرضع والأطفال الصغار في غضون أشهر إذا لم يتم توفير التغذية السليمة، وقد حذر برنامج الأغذية العالمي من أن معدلات سوء التغذية "تغيرت بشكل كبير من حيث الحجم والسرعة والشدة"، منذ بداية الحرب.
وقال الدكتور ناصر بلبل، رئيس وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة في مستشفى الشفاء، والمقيم حاليًا في مستشفى غزة الأوروبي، أن حالات سوء التغذية الحاد لدى الأطفال في المستشفى تتزايد كل يوم.
وأضاف: "لا يوجد طعام مغذٍ لهم، الأطفال المساكين تحولوا إلى هياكل عظمية".
وقد أدى النزاع إلى إتلاف أو تدمير أنظمة المياه والصرف الصحي والصحة الأساسية في قطاع غزة، مما أعاق القدرة على علاج سوء التغذية الحاد، في حين كان الوصول إلى حليب الأطفال الرضع صعباً للغاية، بسبب القيود المفروضة على تدفق المساعدات.
ويواجه الأطفال الذين تقل أعمارهم عن ستة أشهر أعلى خطر للوفاة إذا كانوا يعانون من سوء التغذية، ويمكن أن يتأثر الأطفال قبل الولادة في الرحم إذا لم تتناول أمهاتهم ما يكفي من الطعام.
ويجب أن تحظى هذه المجموعات بالأولوية في الاستجابة الإنسانية، ومع ذلك، وفقًا للأمم المتحدة، فإن برامج توصيل الغذاء في غزة لن تلبي سوى 25% من الاحتياجات الغذائية للأطفال الذين يعانون من سوء التغذية والأمهات في الشهرين المقبلين، مما يترك 375000 فردًا عرضة للخطر، كما أن الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض، لأن نقص التغذية يستنفذ جهاز المناعة.
وقالت تيس إنجرام، المتحدثة باسم اليونيسيف، إنها قلقة للغاية بشأن المزيج القاتل بين سوء التغذية والمرض.
وأضافت: "هناك دورة مميتة تحدث، إذا كان الطفل مريضًا، ويعاني من سوء التغذية، فإنه يصبح أكثر عرضة للإصابة بالمرض، واحتمال وفاة هذا الطفل أعلى بكثير مما لو كان يواجه تحديًا واحدًا فقط من هذه التحديات".
ومع تفاقم الأزمة، ومع عدم وجود نهاية فورية للحرب في الأفق، بدأ شبح المجاعة يلوح في الأفق فوق غزة، وتقول الأمم المتحدة أن 40% من سكانها حاليًا في خطر.
ولم تكن هناك سوى حالتين من المجاعة في العقد الماضي، الأولى في الصومال في عام 2011, والثانية في جنوب السودان في عام 2017, ومع ذلك، يعتقد اللبيدي أنها مسألة وقت فقط قبل إعلان المجاعة رسميًا في غزة.
ووفقاً للتحليل، فإن خطر المجاعة يتزايد كل يوم مع استمرار الحرب على غزة واستمرار القيود المفروضة على وصول المساعدات الإنسانية، وإذا حدثت المجاعة، فلن يكون أطفال غزة وحدهم من يدفع الثمن، بل كل نفس حية في المنطقة.