عرب لندن
يواجه زعيم المعارضة البريطانية كير ستارمر ضغوطا متزايدة على خلفية موقفه من الحرب بين إسرائيل وحماس، في اختبار مهم للمرشح الأبرز لتولي منصب رئاسة الوزراء.
ويحاول السياسي البالغ 61 عاما جاهدا تخفيف حدة التوتر في صفوف حزب العمال، بعد تصريحات أدلى بها بشأن الرد الإسرائيلي على الهجوم الذي شنته حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ورفضه الدعوة إلى وقف إطلاق النار في النزاع.
وأعادت الحرب إحياء الانقسامات القديمة في الحزب اليساري الوسطي، الذي يعود الفضل إلى ستارمر في توحيد صفوفه، في وقت يسعى للعودة إلى السلطة في الانتخابات العامة المرتقبة العام المقبل.
وتقدم العمال على الحزب المحافظ الحاكم بفارق أرقام عشرية على مدى أكثر من عام في معظم استطلاعات الرأي.
وقال الخبير السياسي توني تريفرز: "يحمل ذلك أهمية جزئيا، نظرا إلى أنه يبدو أن العمال قد يفوزون في الانتخابات المقبلة". وأضاف: "إنه مثال جيد على نوع الاختبار الذي ستخضع له أسبوعا بعد الآخر عندما تكون رئيسا للحكومة".
وأعاد ستارمر حزب العمال إلى الوسط منذ خلف اليساري المتشدد جيريمي كوربن الذي مني الحزب في عهده بهزيمة كبيرة أمام المحافظين عام 2019. ونال إشادات لاجتثاثه معاداة السامية التي تفشت في صفوف الحزب في عهد كوربن.
وخلال مؤتمر حزب العمال السنوي هذا الشهر، قوبلت إدانته لهجوم حماس على إسرائيل الذي أودى بأكثر من 1400 شخص معظمهم مدنيون بتصفيق حار. كما أقيمت دقيقة صمت خلال المؤتمر حدادا على الضحايا.
وتناقض المشهد بشكل صارخ مع مؤتمر العام 2018 في عهد كوربن، عندما لوح الحاضرون بالأعلام الفلسطينية وهتفوا بشعارات مؤيدة للفلسطينيين. وقبل سنوات على ذلك، أشار كوربن إلى أعضاء حماس على أنهم "أصدقاء"، وهو مصطلح أعرب لاحقا عن ندمه لاستخدامه.
وبدأت الانقسامات في صفوف العمال تظهر بعدما أجرى ستارمر مقابلة إذاعية في 11 تشرين الأول/أكتوبر، أشار فيها إلى أن إسرائيل لديها "الحق" في قطع المياه والطاقة عن غزة.
وسعى في غضون أيام لتوضيح أنه كان يقصد بأن البلاد لديها الحق في الدفاع عن نفسها. لكن بحلول ذلك الوقت، انتشر المقطع على الإنترنت بشكل واسع.
وسرعان ما استقال أكثر من عشرة مسؤولين منتخبين محليا من حزب العمال على خلفية التصريحات. لكنهم لا يمثلون غير نسبة صغيرة جدا من أكثر من 6000 مسؤول محلي من الحزب على مستوى البلاد.
إلا أن الاستياء ازداد، ودعا حوالى 150 مسؤولا محليا مسلما من حزب العمال ستارمر هذا الأسبوع لدعم وقف فوري لإطلاق النار في غزة.
وقال زعيم حزب العمال في اسكتلندا أنس سروار لشبكة "بي بي سي" هذا الأسبوع إنه "لا يوجد مبرر لحرمان (المدنيين في غزة) من الموارد الأساسية".
وقضى ستارمر الذي كان كبير المدعين العامين بعض الوقت، الأربعاء، مع أكثر من عشرة نواب مسلمين من حزب العمال في مسعى لتخفيف حدة التوتر.
ووقع أكثر من 30 نائبا من حزب العمال على مذكرة في البرلمان تدعو إلى وقف إطلاق النار. لكن ستارمر لم يدعم المبادرة، واختار بدلا من ذلك تأييد دعوة رئيس الوزراء ريشي سوناك هذا الأسبوع لـ"وقف" الحرب للسماح بدخول مزيد من المساعدات إلى غزة.
ويشير مراقبون إلى أن زعيم حزب العمال محق في موقفه الواضح من حماس، بينما يشير أنصاره إلى أنه يتصرف كرئيس للوزراء.
وقال استاذ السياسة لدى "كينغز كوليدج" في لندن أناند مينون، لفرانس برس، "عزز ذلك بالتأكيد فكرة أن حزب العمال لم يعد كما كان في عهد جيريمي كوربن". وأضاف "هناك نقاط ضعف واضحة سواء في ما يتعلق بالانقسامات في الحزب وفي نهاية المطاف بأصوات المسلمين. لكنني لا أعتقد أننا نقترب من ذلك الحد. حاليا، يتعامل مع الأمور بشكل جيد".
وردت إسرائيل بقصف عنيف ذكرت وزارة الصحة التي تديرها حماس في غزة بأنه أسفر عن مقتل أكثر من 6500 شخص. ويتوقع بأن ترتفع الحصيلة في حال دخول عشرات آلاف الجنود الإسرائيليين الذين احتشدوا قرب غزة إلى القطاع.
ومن شأن أي تصعيد أن يعمق الانقسامات في صفوف العمال، فيما ذكر الإعلام البريطاني بأن الحزب يشعر بالقلق من إمكانية استقالة عدد من أعضاء حكومة الظل.
ويعتقد بأن النواب الذين يمثلون مناطق تضم أعدادا كبيرة من المسلمين هم الأكثر قلقا من مواقف ستارمر، قبيل الانتخابات التي يتوجب تنظيمها قبل كانون الثاني/يناير 2025.
وخلص استطلاع لوكالة "سورفيشن" عام 2021 إلى أن 72 في المئة من مسلمي بريطانيا، البالغ عددهم حوالى أربعة ملايين، يشعرون بأن حزب العمال يمثلهم بشكل أفضل.
وذكر تريفرز بأن مواقف ستارمر لن تدفعهم للتصويت للمحافظين، لكنه حذر من أن عدم الاكتراث للمقاعد الهامشية بمكن أن يكلف العمال في إطار محاولتهم انتزاع الأغلبية من المحافظين. وقال لفرانس برس إن "الخطر بالنسبة لستارمر هو أن نسبة من هؤلاء الناخبين يمكن أن يمتنعوا عن التصويت. سيكون لذلك أثر في أماكن معينة".