محمد أمين

كاتب فلسطيني

 

 "الرجل الأبيض يحتكر كل شيء جميل"، هذا تلخيص لنهج وسلوك ومقاربة الدول الغربية وإعلامها تحديدا، الذي شن حملة مسعورة ضد دولة قطر، كبلد عربي من العالم "غير الأبيض" ينظم البطولة الكروية الأهم في العالم.

 ولقد شن الإعلام الغربي وتحديدا البريطاني حملة ممنهجة وغير مسبوقة ضد تنظيم دولة قطر لكأس العالم، ساق فيها مجموعة من الاتهامات التي حاول عبرها تبرير حملته، والحقيقة أن الحملة المشار إليها لم تبدأ مع انطلاق الكأس في الدوحة يوم الأحد الماضي، وإنما سبقتها بعقد ونيف من الزمان منذ أن نجحت قطر في تقديم أفضل عرض لاستضافة الكأس في العام 2010.

 نظرة سريعة على الاتهامات، تجدها تتلخص في قضيتين :أولا قضية " المثليين" والثانية" انتهاك حقوق العمال"، حيث تزعم صحيفة الغارديان على سبيل المثال أن قرابة 6500 عامل لقوا حتفهم أثناء العمل في الملاعب، الرقم  ظهر منذ فبراير الماضي في  الصحيفة التي حاولت ربطه بوفيات ملاعب ومنشآت كأس العالم فيما الحقيقة أنه اجمالي الوفيات من العمال المقيمين في قطر منذ اختيارها لاستضافة الكأس، بمعنى أن ذلك الرقم مظلل وغير صحيح، وليس إشارة لمن مات في أعمال الملاعب كما توحي تغطيات الصحف ومحاولتها الاستعارة بشكل مشوش، وإنما من مات لأسباب متعددة، ربما موتا طبيعيا، أو بحوادث سيارات، أو بأمراض القلب أو غيرها وليس من ماتوا أثناء العمل في  ملاعب كأس العالم والتحضير له، فهل الربط بريء؟.

 وقد قام الباحث مارك أوين جونز والمتخصص في مجال المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي بعمل تحليل لهذا الرقم ،وقال أن "هذا الرقم تم إعادة نشره 400الف مرة باللغة الإنجليزية، ارتبط بكلمة قطر حتى أكتوبر 2022 وأن نشره تم على أنه وفاة في المواقع المرتبطة بكأس العالم" ما يجعل السؤال مشروعا :أليست هذه محاولة مقصودة للربط بين قطر وهذا الرقم رغم عدم دقته، فيما تساءلت منظمات حقوقية عن كم التضليل الإعلامي الذي رافق هذا الرقم .

جونز وفي سياق تحليله لخبر الغارديان والحملة التضليلية لفت إلى أن "الأمر يتعلق بالنظرة الاستشراقية، فالاستشراق يتمثل في الاعتقاد بأن العالم غير الغربي أو الأوروبي هو أكثر وحشية وبربرية، فإذا كان القارئ يعتقد أن هناك شيئا من الوحشية في المنطقة، فمن المرجح أن يكون أكثر قبولا للاعتقاد بأن أرقام الغارديان وغيرها صحيحة".

 يمكن التدليل  كذلك على حملة الغارديان من الصحيفة نفسها، ففي يوم انطلاق البطولة، نشرت خبرا عن فوز الأكوادور على قطر وهذا طبيعي، لكنها علقت: "لا يمكن شراء كل شيء بالمال"، ما يكشف حملة مسبقة ومجانبة للمهنية والموضوعية، فهذا التعليق فيه كم من مجانبة الأخلاق المهنية، واقحام للرأي على أنه خبر، وتصفية للحسابات.

  عموما وإذا كنا سنتحدث عن المال ودوره في  شراء الرياضة والسياسة والمصالح دون اعتبار للمبادئ، فإن الكفة هنا لا تميل لصالح الغرب، ففي مسألة جدلية المبادئ والمصالح يتصدر الغرب قائمة الانتهازيين الذين يقايضون حقوق الإنسان بالمصالح، فهو من يوقع عقود بيع الأسلحة مع دول تشن حروبا وتتسبب في قتل ملايين البشر وليس قطر ، كما لم تكن قطر ولا أي دولة عربية من شن حربا على العراق مدفوعة برغبة في الاستحواذ على نفطه وتحت شعارات كاذبة، تارة " تخليص الشعب العراقي من الدكتاتورية"، وتارة أخرى "نزع أسلحة الدمار الشامل"، بينما كان لعاب أمريكا وبريطانيا وحلفائهم يسيل على النفط، نتيجة تلك الحرب تدمير العراق وقتل مليون طفل عراقي.

ولم تكن قطر ولا الدول العربية التي أنشئت كيانا عنصريا قام على أنقاض شعب بأكمله في فلسطين، ومازالت تدافع عن احتلاله وجرائمه وخرقه لكل القوانين الدولية، ليس العرب كذلك من استعمر الدول الإفريقية واحتل العالم الثالث وامتص خيراتهم واستعبدهم ومارس أبشع أنواع الوحشية والبربرية بحق شعوب تلك المستعمرات، لم يكن العرب من تسببوا في قتل قرابة 100  مليون إنسان في الحربين الأولى والثانية في أكثر الحروب وحشية وبربرية، أخيرا لم يكن العرب بل الحلفاء من اغتصبوا مليوني امرأة ألمانية وشغّلوا الألمان بالسخرة عقب خسارة ألمانيا الحرب العالمية الثانية! هؤلاء المغتصبون يحاضرون اليوم علينا في مجال حقوق الإنسان؟!.

يردد كذلك " إعلام الرجل الأبيض في حملته" قضية المثليين"، واضعا معياره الأخلاقي على أنه المعيار الأخلاقي الأمثل للعالم والذي ينبغي اتباعه، هذا خطاب شيوعي إقصائي فيه تأميم للفكر والأخلاق ومصادرة للحريات، هذا اقصاء للمنظومة الثقافية والأخلاقية الأخرى، هذا بشكل أو بآخر  تعبير عن عقلية شبيهة بعقلية بوش الابن: من ليس معي فهو ضدي، هذا ينطبق على الغرب في مقاربته في كل شيء اليوم.

فعلى سبيل المثال في روسيا في مونديال 2018 وبينما كان بوتين قد انتهى للتو من السطو على شبه جزيرة القرم، وفيما هو ذاته معاد للمثليين لم نر تلك الهجمة الغربية ضده، فالقوي مستثنى من معايير الرجل الأبيض التي تطبق على الضعفاء ، ولم تجد BBC  وقتها سببا في عدم بث افتتاحيات الكأس كما فعلت هذا العام، الحقيقة أن عقلية المستعمر مازالت تستكثر على الدول التي كان يوما ما يستعمرها ذلك التقدم والازدهار والتحرر، هذا يقدم أيضا دليلا آخر على أن هجمة الغرب على الدوحة ليست أخلاقية ولا مبدئية إنما انتهازية استعلائية.

لا نكتب هنا دفاعا عن قطر وإنما دفاعا عن دولة عربية من العالم الذي يسميه الغرب عالما ثالثا، نكتب عن حق هذا العالم وكل دوله وشعوبه في المنافسة والنجاح والابهار، نكتب  ضد العنصرية ومن أجل حقوق الإنسان بدون لون ولا تلوين، عن ضرورة الانصاف والعدالة، نكتب ضد الاستشراق ذي المنطق واللغة العنصرية الاستعلائية وعقلية الرجل الأبيض التي تحكم سلوك الغرب وإعلامه ،انظر لتصريحات جوزيب بوريل مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي الذي وصف  أوروبا" بالحديقة"، أما باقي العالم " أدغال"؟ ألا تفوح من هذه التصريحات رائحة عنصرية كريهة؟.

 

 

السابق جون لوك .. الفيلسوف الإنجليزي الذي أكد أن العقل يجب أن يستنتج كون العالم مخلوق بإرادة إلهية خارقة
التالي ريشي سوناك... أسود أم أبيض؟