محمد أمين

كاتب فلسطيني

 

 ليس لون البشرة مهم، ولا عنوان المقال عنصري، إنما هو محاولة لاستكشاف هل انتهت العنصرية في الغرب، وهل للسود والأقليات المختلفة الدينية والإثنية ذات الحظوظ في التنافس على المناصب العليا في قيادة تلك البلدان.

 فمنذ انتخاب ريشي سوناك رئيسا لحكومة المملكة المتحدة يوم 25 أكتوبر الماضي يحتدم الجدل بين وجهتي نظر:الأولى تقول بنجاح الغرب في دمج الأقليات، وإتاحة  فرص متساوية لهم  في كل الحقوق والواجبات وفي التنافس في السباقات السياسية نحو القيادة وغيرها، وبين تيار ثان يرى أن هذه الأقليات التي تتصدر في بعض البلدان الغربية هي ليست إلا أقليات مزيفة لا تعبر عن جذورها وإنما هي بيضاء الشكل والمضمون، الفكر والانتماء و الهوية، ولو لم تكن كذلك لما تم تصعيدها.

الحقيقة أن ثمة خطوط متداخلة، ففي جانب من هذه المسألة يمكن القول أنه لولا الديمقراطية والآليات التي ترسيها لما أتيح لأحد المواطنين من الأقليات في تلك البلدان الانضمام أصلا للأحزاب والمشاركة السياسية والتدرج فيها وصولا إلى الرئاسة أو رئاسة الحكومة، وهذا ينطبق على حالة ريشي سوناك الذي قال في تصريحات عديدة أنه تعرض لعنصرية جراء أصوله الهندية، فقرر الانخراط في السياسة لتغيير تلك النظرة، وكذلك الحال في الولايات المتحدة الأميركية التي قادها رئيس أسود من أصول أفريقية لدورتين متتاليتين.

هذا بالضرورة لا يعني أن الغرب تجاوز عقدة العنصرية وازدواجية المعايير كما يقول أصحاب الرأي الثاني، والدليل على ذلك ذات حالة سوناك ،فعلى سبيل المثال لم تنتخب قواعد حزب المحافظين سوناك وإنما أُنتخب من قبل نواب الحزب في البرلمان، وفي ظروف خاصة، وتعزو كثير من التحليلات ذلك إلى أن هناك ترسبات عنصرية  مازالت مترسخة لدى ناخبي الحزب وقواعده التي يشكل البيض وكبار السن  ما نسبته 97٪ منها ،وهم من الطبقة الغنية، والرافضة للأقليات. أيضا فإن نوعية من يتاح لهم فرصة الوصول للمناصب العليا من الأقليات هم بالضرورة أبناء المؤسسة والمتشربين لأفكارها والمدافعين عنها  كحال سوناك ذاته الثري، المعادي للهجرة والمناصر لإسرائيل، الأسمر بشرة والأبيض فكرا وممارسة.

  ولو أردنا ضرب مثال آخر من بريطانيا على الأقليات " المزيفة"، تبرز وزيرتا الداخلية الحالية والسابقة، كلتاهما مهاجرتان وكلتاهما معاديتان للمهاجرين، الأولى المتطرفة "سويلا برافرمان" التي جعلت طرد المهاجرين حلم حياتها ووصفت قدومهم ب "الغزو"، ليرد عليها وزير الهجرة الأبيض روبرت جنريك مطالبا إياها بالتوقف عن ذلك رافضا شيطنة المهاجرين، وقبله الملك تشارلز إبان كونه وليا للعهد انتقد هو الآخر خطط ترحيل اللاجئين التي كانت تشرف عليها وتنّظر لها "بريتي باتيل" وزيرة الداخلية السابقة و المهاجرة هي الأخرى، فالعنصرية إذا عابرة للألوان والهويات، وبالتالي فإن محاولة حزب المحافظين تعيين وزراء من أصول مهاجرة  لكنهم يمينيون متطرفون لن يحل أزمة العنصرية، إنما هي خديعة لن تقنع أحدا.

وفي حالة حزب المحافظين في بريطانيا تحديدا تبرز النزعة اليمينية بجلاء، ووفقا لتقرير نشره البروفيسور تيم بيل عام 2018، فإن 97٪ من أعضاء حزب المحافظين "بريطانيون بيض"، وهم طبقة غنية، غير مرحبة بالمهاجرين.

 البروفيسور بيل هو مدير مشروع " أعضاء الأحزاب" المشترك بين جامعة كوين ماري أوف لندن وجامعة ساسكس.

بالمحصلة هل يمكن القول أنه لا توجد ديمقراطية؟ وأن كل تلك مسرحية؟، لا اتفق مع هذا الرأي لأن الديمقراطية في أحد تمظهراتها هي صراع معقد، طويل الأمد، تتداخل فيه مؤثرات ومصالح وعوامل عديدة، لكن في النهاية وجود الآلية الديمقراطية والاجماع عليها هو منجز انتزع جراء نضال طويل الأمد، ينبغي الإشادة به وبآلياته جنبا إلي جنب مع مواصلة المطالبة بالتوقف عن تشويه صورة الديمقراطية ،والمطالبة بتكريس عادل وناجز للعدالة والمساواة للجميع، والتنبيه وكشف زيف تلك المحاولات التي تقودها بعض الأحزاب اليمينية بتصعيد أقليات في محاولة لخديعة الأقليات ،ففي اللحظة التي يكون فيها الوصول للسلطة رهين  بشروط غير ديمقراطية ففي هذه الحالة تزيد عمليات التجميل من بشاعة المشهد بدلا من تجميله.

 

 

 

السابق مونديال قطر... سقوط الرجل الأبيض وإعلامه!
التالي  العرب وملكة بريطانيا ..بين معسكرين!