عرب-لندن

كتب – كريم إمام 

 

ألقت أزمة انتشار فيروس كورونا بظلالها على العديد من العائلات اللندنية، وأثرت بشكل كبير ومباشر على طبيعة حياتهم اليومية واستجابتهم لمتطلبات المعيشة التي اعتادوا عليها. وتتفاوت أشكال تأثر تلك العائلات بالأزمة، بل ونسبها، من مكان لآخر  بسبب عوامل عدة، منها المستوى المعيشي. وعلى الرغم من الاختلافات تلك، إلا أن جميعهم أضحوا يشتركون في شكل الحياة الجديد الذي فرض على الجميع، والذي يتطلب قضاء أوقات أطول داخل المنازل و امتناع الطلاب عن الذهاب للمدارس ومواجهة الأزمات الصحية التي خلقها العدو غير المرئي. والمؤكد في هذه الأزمة، أن الجميع لا يزال يتعلم الكثير، خصوصا فيما يتعلق بحماية النفس من شرور المرض وكيفية تجنب انتشار العدوى والعيش بطريقة أكثر صحية واكتشاف مدى قدرة الإنسان على التأقلم مع الوضع الجديد، إضافة إلى تقديس النفس البشرية والبيئة التي نحيا فيها. 

 

نحاول من خلال هذا اللقاء التعرف على تجربة عائلة عربية لندنية في العزل وكيف تأقلموا مع الأوضاع التي فرضتها الأزمة خلال الأسابيع القليلة الماضية.

 

يقول السيد سمير الحبّال: نحن عائلة صغيرة مؤلفة من أم وأب وطفل. انتقلنا إلى لندن في العام ٢٠١٠، حيث أتيحت لي الفرصة للعمل كمدير إقليمي لشركة الطيران السورية في لندن. ولكن بعد ثلاث سنوات وبالتزامن مع تفاقم الأزمة في سوريا، أعلن قرار عدم السماح للطيران السوري بالهبوط في مطارات أوروبا وبالتالي اضطر المكتب للإغلاق. وفي ظل هذه الظروف، بدأنا بتنفيذ فكرة افتتاح مطعم لبناني في لندن -فجذور عائلة زوجتي من لبنان- وكانت معركة كفاح لإيجاد مطعم وما يتبعه من عراقيل استمرت لحدود أربع سنوات، وكانت تلك البداية فقط.

عراقيل العمل في ظل الأزمة

ويضيف سمير بخصوص تأثير الأزمة، أنها امتدت لتطال العالم برمته بشكل عام، والأعمال التجارية بشكل خاص. وقال أنه كصاحب مطعم، أجبر على الانصياع لإجراءات الحظر بالإغلاق، وهو ما يحتم عدم التعامل بشكل مباشر مع الزبائن والإبقاء على خدمة توصيل الطلبات الخارجية. ووجد سمير صعوبة في التزوّد بالمواد الأساسية اللازمة، ناهيك عن إيجادها والحصول عليها في نفس الوقت. منوها إلى ضرورة الحرص الكامل على مراعاة الصحة العامة بداية من عملية التزود بتلك المواد الغذائية ، ولغاية تقديمها للزبائن بالنوعية والجودة والسلامة العامة المطلوبة والتي وصفها بأنها عنوان الخدمة التي يقدمها، والتي يستمر في تقديمها رغم كل العراقيل التي تفرضها هذه الأزمة. 

التأقلم مع الظرف

ويؤكد الحبّال، أن نمط الحياة تغير لكافة المجتمعات بغض النظر عن اختلافاتها، فوحدها لتصبح متشابهة بشكل كبير. ويتباع سمير: نحن كجزء من هذا المجتمع والبلد الذي كان مفعما بالحياة، تغيرت ظروفنا فأصبحت ظروف الحياة تتجسد في حالة العزل الصحي والتأقلم مع الحالة ككل من حيث الحذر الشديد من كل شيء، ابتداء من أصغر التفاصيل وصولا لأكبرها، وبالأخص فيما يخص جوانب العمل الذي نقوم به والحرص على سلامتنا الشخصية بالدرجة الأولى، وعزل أنفسنا بشكل كامل لضمان جودة الخدمة التي نقدمها والتي كانت من الأسس الأولى المتعبة لدينا قبل الأزمة. وربما يكمن الأمر المستحدث في ظروف العمل، هو مراعاة المسافة الصحية الاجتماعية social distancing. فمن ناحية التعقيم، كنا منذ البداية نطبق هذا الإجراء قبل ظهور الفيروس بنفس التعليمات. ومن مبدأ الحرص المطلق، تم تعليق العمل مع الشركات الناقلة للطعام Delivery ونحن الآن نقوم بخدمة توصيل الطلبات بأنفسنا لتفادي أي شكل من أشكال العدوى، ولضمان العمل بحسب المقاييس التي وضعناها لأنفسنا.

التعليم عن بعد

أما بخصوص تأثير قرار إغلاق المدارس على ابنهم يقول سمير: إن هذا الجانب هو الذي شكل فارقا كبيرا جداً خلال هذه الأزمة، فكريم جورج، ابننا الوحيد، أصبح متواجداً معنا بشكل كامل، وأوجب علينا القيام بأعمالنا في المطعم دون إحداث أي تأثير على متطلباته الصغيرة والكبيرة. ومن بين تلك، متابعة جميع دروسه ووظائفه المدرسية عن طريق التعليم عن بعد online and home schooling  وإتمامها بمستوى عالٍ وسليم. هذه الظروف ضاعفت المهام اليومية الملقاة على عاتقنا للمحافظة على تواجدنا الدائم وعلى جودة كل ما نقوم به .

احترام النفس البشرية

ويؤكد أبو كريم أن هذه الأزمة لابد وأن تحدث بعض التغييرات الدائمة في جوانب الحياة الشخصية والعملية. حيث ستجبر الناس على الحذر عند العودة للحياة الطبيعية بحلتها الجديدة، وسيتعين على الأفراد التقيد المطلق وعدم الاستهتار بالصحة العامة من الآن فصاعدا، والعودة لقانون الطبيعة والمحافظة عليها واحترامها، والرجوع للذات البشرية والاحترام الكامل لرب الخلق. لافتا أنه ومع نهاية هذه الأزمة يجب على الجميع التمعن والتدقيق أكثر بالقيمة العظيمة للنفس البشرية التي هي من كبائر الحياة مع ضرورة الحفاظ على قدسيتها واحترامها، لتظل قادرة على مجابهة الحياة بكل تفاصيلها والارتقاء بها لما هو أفضل، طالبا في نهاية حديثه من الله الرحمة والفرج والحماية التامة للجميع.



 

السابق تقرير: أغلب إصابات عاملي الرعاية الطبية في بريطانيا من الأقليات
التالي مسلمو بريطانيا يلجؤون للصلوات والخطب الرقمية خلال شهر رمضان