محمد أمين

رئيس التحرير

التأمل فيما كتبه ثيودور هيرتزل مبكرا عن أهمية الساحة البريطانية يجعلنا كفلسطينيين بريطانيين نعي أهمية الدور المطلوب منا.

 ففي كتابه "الدولة اليهودية" يقول هيرتزل: "منذ انضمامي إلى الحركة الصهيونية، وجَّهْتُ نظري نحو بريطانيا، لأنني أدركتُ أنها مركز الثقل العالمي، والانطلاق من هناك سيخلق للأفكار الصهيونية أجنحة تحلق بها عالياً وبعيداً".وبالفعل، عملت المنظمات الصهيونية، منذ وقت مبكر، على التغلغل في الأوساط السياسية البريطانية وتشكيل جماعات ضغط لحشد الدعم البريطاني لمشروع "دولة إسرائيل".

ومن ذات البلد،ورغم اختلاف التاريخ والظرفية،وتغير الوزن السياسي له، ينبغي على فلسطيني بريطانيا التحرك، فهذا الجسم الكبير في المهجر،غير الموحد كما يجب،عليه أن ينتفض من أجل الوطن،ومع مناضليه في الداخل والشتات.

فبينما أكتب هذه السطور، تتواصل عملية السرقة والتصفية والسطو في وضح النهار على أعدل قضية إنسانية عرفها الضمير العالمي،عبر "بلفور"جديد، بتوقيع رئيس أكبر بلد في العالم، تحول للأسف إلى ناشط في الحركة الصهيونية العالمية.

 وقبل السؤال عن ماهية مايجب علينا فعله، ينبغي التأمل في نقاط القوة والضعف للتواجد الفلسطيني وفاعليته في الساحة السياسية البريطانية، فحتى كتابة هذه السطور لا يوجد نائب فلسطيني ولا عربي واحد في البرلمان،رغم أن العمل الفلسطيني والعربي في الساحة البريطانية قديم ومتجذر، كما لا توجد هيئة فلسطينية متخصصة في الضغط وممارسات " اللوبي الحقيقي"،رغم وجود جهود فردية ومؤسسية مقدرة لكن ميزانياتها لا تساوي عشر ما تمتلكه مؤسسة واحدة من المؤسسات الصهيونية المناصرة لإسرائيل، لكن بتقديري فإن هناك عاملا هو الأهم في ضعف تأثيرنا في الساحة البريطانية،يتمثل في الفرقة الفلسطينينة الفلسطينية والعربية التي تعطل وتعرقل وتشوش على الجهود الصادقة والوطنية التي تعمل من أجل فلسطين.

 أما نقاط القوة فهي عديدة وينبغي البناء عليها وحسن استثمارها، فكفلسطينيين وعرب نحن نملك أعدل قضية، قضية ذات بعد إنساني عالمي ،ليس محلي، ولا إقليمي، فالتحرر من الاحتلال هو قضية إنسانية، وإنهاء نظام الفصل العنصري مطلب رأي عام عالمي، كما نملك مقررات أممية دولية، ويصطف معنا مناضلون ومتضامنون بريطانيون وأوروبيون ويهود يجمعون على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ووجوب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية فيما يتعلق بحق العودة والتعويض ووقف الاستيطان وسياسة التهويد والتهجير.

ينبغي أن نبني على نقاط القوة، ونعمل على معالجة نقاط الضعف، وربما يكون الانحياز الأمريكي الفاضح الأخير هو فرصة لاستنهاض الرأي العام العالمي من جديد لتبيان انحراف أكبر دولة في العالم عن مسار القانون الدولي، والضغط باتجاه اعتبارها راع غير نزيه، والعمل على سحب الملف منها لجهة الطرف الأوروبي الأثر اعتدالا، فلا يمكن أن تكون الولايات المتحدة الذي يبدو أن رئيسها تقدم بطلب لعضوية حزب الليكود "راعيا للسلام"، ومن حق الشعب الفلسطيني إعلان انتهاء الدور الأمريكي، والولوج إلى مقاربة جديدة.

 فلسطينيو بريطانيا يمكنهم لعب دور كبير عبر توحيد صفوفهم، ولملمة شتاتهم، وعبر ممارسة ضغط على صناع القرار في الساحة البريطانية والأوروبية لأخذ زمام المبادرة وتحرير القرار الدولي من سطوة القوة الأمريكية التي انتهت بها المطاف بعد مئة عام من "وعد بلفور"، ب " وعد ترمب" الذي يعد أسوء من الأول المشؤوم.

 وبتقديري فإن هذا الدور يتم في الساحة البريطانية عبر تشكيل هيئة وطنية عليا تعمل على الضغط على السياسيين والبرلمانيين في بريطانيا، وطلب مساندة من العرب لهذا الجهد الفلسطيني، ولتتقدم منظمة التحريرلقيادة هذا المسار عبر مؤسساتها وسفاراتها في الخارج ،فهي الشرعية الفلسطينية المعترف بها دوليا،وستجد الفلسطينيين مصطفين صفا واحدا لمساندتها في تلك المعركة،فلا ترف من الوقت نملكه لمزيد من الخلافات،المطلوب هو حشد الطاقات.

 هذه المقاربة ربما تبدو محمولة بأمل أو ربما حلم على المستوى الفلسطيني بأن ننسى ونحيد خلافات الداخل،ومحمولة كذلك بأمل بأن يحيد الأشقاء العرب خلافاتهم، لكنها ممكنة،فليتوحد العرب فقط ولمرة واحدة لمساندة الشعب الفلسطيني في نضاله في بلدان المهجر،ويستعملوا أوراق القوة التي يملكوها وهي كثيرة،أهمها استثماراتهم الكبيرة في العواصم الأوروبية الوازنة، فالغرب يفهم لغة واحدة هي لغة المصالح.

صفقة " ترمب نتنياهو “ربما ستنجح في فرض وقائع بقوة القهر، لكنها بالضرورة لن تنجح في إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي أو الفلسطيني الإسرائيلي، لأنها باختصار تقهر المظلوم وتنصر الظالم، تتبنى الرواية الإسرائيلية بالكامل، وتسقط الطرف الفلسطيني من حساباتها،وهي مقاربة محكوم عليها بالفشل،ولهذا فإن النضال السلمي الإنساني العابر للهويات هو المطلوب، وبريطانيا هي الساحة الأهم والأبرز في اطلاق هذه الحملة، لكن مفتاح النجاح هو الوحدة ، فهي المبتدأ والخبر.

 

 

السابق لا تطلبوا العلم في الصين ..وكل الطرق ما عادت تؤدي لروما!!
التالي الأمير هاري "كادحا".. ماذا عن حكامنا العرب؟