كتب وتصوير – كريم إمام

حماس كبير وحيوية واضحة في الرقص والأداء الحركي والموسيقى والتمثيل الصادق لمعاناة فلسطيني يعيش في بريطانيا.. هذا هو الانطباع الذي خرجت به بعد العرض الأول لمسرحية (لدي اسمان) الذي قدم ليلة أمس الأول وأمس على مسرح Cockpit في لندن.

العرض الذي كتبه وأخرجه المخرج الفلسطيني أحمد نجار مزج عدة فنون مسرحية في قالب من الاسكتشات الحركية المفعمة بالحيوية والنضوج في توصيل الإحساس المطلوب، قدمها ثلاثة من الشباب الموهوب أمام المتفرج البريطاني ليعرض لقصة كل شاب فلسطيني مغترب مشتت ما بين بلدان ولغتان وثقافتان، يسعى جاهدا لأن يجد لنفسه مكانا تحت الضوء في سياق غير متفهم تماما لما قد يعانيه من تشتت وعدم وضوح في الرؤية للمستقبل. إنه عرض مليء بالأحاسيس الصادقة والتي لا يمكن أن يخطئها قلب المتلقي.

يبدأ العرض باسكتشات راقصة مختلفة للبطل الرئيسي (سالم) الذي قدمه الممثل والراقص الموهوب عمر جواد، و(سارة) جورجينا ماكجويجان، و(ديفيد) ويليم بريتل تعكس إلى حد كبير مدى تشتته وتبلور أحاسيس مختلفة تنتابه ما بين الغربة والحنين إلى بلده الأم فلسطين.

 يبدأ الحوار في صلب الموضوع عندما يقول البطل سالم لسارة: أنا من هنا ومن هناك، فترد: أنا من هنا، فيقول: لدي بلدان ولغتان، ولكني لا أتذكر بأية لغة أحلم.. لنجد أنفسنا كمتلقين منذ البداية أمام الوجع والألم في القصة. ثم تحكي له سارة عن رحلتها في فلسطين ومدى الحب الموجود وصفاء الناس هناك، معبرة عن ضيقها لعدم تمكنها من الذهاب إلى غزة، أثناء حديثها تخفت الإضاءة عنها لتتجه بسالم إلى وسط المسرح حيث يسرح بعقله أمام الجمهور لتدور في خلده أسئلة عديدة حول الوضع في فلسطين عبر عنها من خلال الرقص على موسيقى ممزوجة، وهنا تلعب الإضاءة دور الانتقال إلى نوع من الفلاش باك أو العودة بالزمن للوراء.

اسكتش راقص آخر مع أجزاء من خطبة السادات في الكنيست الإسرائيلي،وموسيقى أثناء أداء الممثلين الثلاثة لرقصات تعبر عن مدى عدم الوضوح في الرؤية والانزعاج، مع مزج لمقطع من أغنية عبدالباسط حمودة الشهيرة (أنا مش عارفني)... حوار مع صديقه البريطاني الذي ذهب لإسرائيل في رحلة يوم واحد، تظهر مدى جهله وكيف أنه مغيب تماما عن الوضع الحقيقي في فلسطين، حيث يصف شعوره هناك بالهدوء النفسي والروحي، وقد جاء له بهدية حلويات شرقية لكن (سالم) يرفضها لأنه مكتوب عليها صنع في إسرائيل.

عندما يقرر سالم السفر مع سارة إلى غزة ينتابها القلق وتشعر بالريبة والخوف مما قد يحدث عند عبورهما الحدود، فتطلب منه أن يمسح كل الرسائل على الهاتف وأن يتظاهرا بأنهما لا يعرفان بعضهما البعض. هذه الأفكار البسيطة تلخص القالب العام والفكرة الرئيسية للعرض المسرحي الممتع والذي يتناول قضية الاغتراب وشعور العزلة.

بعد العرض قال المخرج أحمد نجار: القصة مستوحاة من العديد من الناس حولي، وقد أردت الحديث عن هذا الموضوع تحديدا... وأضاف متحدثا للجمهور في جلسة حوارية أدارتها الكاتبة الفلسطينية البريطانية سلمى دباغ: الكثير من الموسيقي التي سمعتموها هي خليط من الموسيقى المتنوعة التي أسمعها، وقد مزجت الكثير منها لأجعلها صالحة للرقص، إلى جانب إضافة أجزاء من خطاب الرئيس المصري الراحل أنور السادات الذي كان يطبع العلاقات مع إسرائيل ليمثل اتجاها معينا من داخل المنطقة وليس من الخارج تجاه هذه القضية. وأضاف: كنت محظوظا لوجود مصمم الرقصات الذي انسجم بشكل كبير مع رقصات متنوعة مثل الدبكة الفلسطينية في وقت قصير.

ولفت إلى أن الرسالة الرئيسة من هذا العمل هو جعل الناس يتعرفوا على ما يشعر به الفلسطينيون هنا، هي قصة عن شخص معين ولكنها يمكن أن تنطبق على العديد منا، الأمر الأساسي هو أن الفلسطينيين هنا يرون بأنهم ليسوا على نفس الخط، وليس لديهم نفس الحقوق كما البريطانيين، فمثلا طرق السفر إلى فلسطين تختلف من شخص بريطاني من خلفية عربية أو تحديدا فلسطينية وشخص بريطاني "أبيض"، فقد أردت أن أركز على عدم المساواة تجاه الفلسطينيين ليس فقط على الصعيد السياسي وانما أيضا على الصعيد الشخصي.

في حين قال بطل العرض عمر جواد عن تحضيره للشخصية: كان هناك نوع من الصعوبة لأن بعض المقاطع الموسيقية يتخللها كلمات، ونحن كممثلين لا نتحدث العربية، وبالتالي كان علينا أن نقوم ببحث ونمزج الكثير من الأشياء وقد كانت عملية تفاعلية وتعاونية أضفت إلى العديد من الأفكار البناءة. وأضاف: في البداية كنت أعتقد أني أعرف ما أتحدث عنه، ولكن وبعد البحث وجدت أنني جاهل جدا بالوضع في هذه المنطقة وبالتاريخ خلفه.

 شاهدت بعض الوثائقيات عما يحدث في غزة وعن حماس، وقد قدمت لي التاريخ والمعلومات، ولكن ما ثقفني فعلا وهيأني لتقديم هذا الدور بهذا الشكل هو الحديث مع الناس الذين يعيشون هذه التجربة وتلك الأحاسيس مثل أحمد نجار، والذين يتأثرون به في الواقع المعاش. أنا لم أعش هذا الوضع ولا أعتقد أن العديد من الناس هنا عاشوا في أجواء كالأجواء في غزة مثلا،ولكن الشخصية قامت بذلك وبالتالي هنا كانت تكمن الصعوبة.

في حين قالت الممثلة جورجينا ماكجويجان: سارة كان بها العديد من الملامح في شخصيتي، بالرغم من الاختلافات الشاسعة، وقد كان لدي بعض التجارب في العمل التطوعي في أماكن متعددة حول العالم وهذه الشخصية في المسرحية مشابهة لما قمت به وقد حاولت عكس هذا في الأداء وأن لا أكون متصنعة. لافته إلى جهل المجتمعات الغربية بفلسطين التي لا يمكن أن تجدها على الخريطة عندما تكتب اسمها على محرك البحث جوجل.

أما ويليام بريتل فقال: في البداية كنت أعتقد أن ديفيد يشبهني كثيرا، ولكن هناك العديد من الجوانب الساذجة في طريقته لمشاهدة الأمور والحكم عليها، وهو دور مهم بالنسبة لي جدا وقد ساعدني الزملاء كثيرا. وأشار إلى الجهل بالأوضاع وبالصراع العربي الإسرائيلي، ضاربا مثال بأصدقائه في محيطه الذين يعتقدون بأن عمر إسرائيل آلاف السنين حيث أنها مذكورة في الإنجيل!

وردا على سؤال حول مزج القرآن مع الموسيقى في العرض قال مخرج وكاتب العرض أنه عندما تدخل لأي مدينة في الشرق الأوسط يمكنك أن تسمع القرآن مع الموسيقى في الشارع،وقد أضفنا هنا أيضا غناء باللغة العبرية، وصوت لأجراس الكنائس، فهذا بشكل أو بآخر يعكس حقيقة الأشياء التي يريدها سالم بشكل محدد. مشددا على فكرة الحصول على جواز السفر الأوروبي ليتمكن الفلسطيني من زيارة بلدان الشرق الأوسط أو حتى بلده الأم.

في حين قال عمر: أنا نصف عربي وأعتقد أن هناك نوع من التضامن مع القضية الفلسطينية. إلا أنني لست جزءا من الثقافة وبالرغم من هذه العلاقات التي يعيشها (سالم) إلا أن هناك نوع من عدم الفهم لمحيطه. لافتا إلى أنه عندما يسمع القرآن يفكر في أن هذا هو صوت هذه المنطقة من العالم، وأن استخدامه هنا ليس ديني ولكنه مرتبط بهذه الأرض وهذا الجزء من العالم.

 

السابق لندن.. معرض فلسطيني يستقبلكم في الأول من ديسمبر
التالي في القرن 19.. هكذا فشلت بريطانيا في مضاهاة "برج إيفيل"