عرب لندن

دعت سبع منظمات تُعنى بحرية التعبير، رؤساء الجامعات البريطانية إلى تبني سياسة "الحياد المؤسسي" في القضايا الاجتماعية والسياسية، عقب إقالة أكاديمية بارزة بسبب آرائها حول النوع الاجتماعي.

ووجّهت هذه المنظمات، في رسالة اطّلعت عليها صحيفة “التلغراف” Telegraph، نداءً لرؤساء ونواب رؤساء الجامعات، الأربعاء، تطالبهم فيه بالكفّ عن اتخاذ مواقف رسمية بشأن قضايا مثيرة للجدل لا تتصل مباشرة بالمهام الأكاديمية، محذّرة من أن ذلك يهدد حرية التعبير داخل الحرم الجامعي.

وجاء في الرسالة أن "الجامعات باتت تتبنى مواقف علنية في قضايا خلافية على نحو متزايد، مما أسهم في تسييس التعليم العالي، وخلق توقّعًا غير واقعي بأن على المؤسسات الأكاديمية التدخّل في كل نقاش سياسي أو اجتماعي".

واستشهدت الرسالة بقضية البروفيسورة كاثلين ستوك، التي استقالت من منصبها في جامعة ساسكس بعد اتهامها الجامعة بفرض سياسة تُلزم الأكاديميين بتمثيل المتحولين جنسيًا بشكل إيجابي في المواد التعليمية. وقالت ستوك إن هذه السياسة منعتها من مناقشة حجج نقدية حول النوع الاجتماعي مع طلابها.

ووجد مكتب شؤون الطلاب (OfS) أن ستوك "شعرت بعدم القدرة على تدريس مواضيع معينة" نتيجة لهذه السياسة، وفرض على الجامعة غرامة قدرها 585,000 جنيه إسترليني، وهي الأكبر من نوعها في تاريخ الهيئة، لانتهاكها التزامات حرية التعبير.

وأكدت منظمات حرية التعبير في رسالتها أن الجامعة كان بإمكانها تفادي العقوبة لو أنها التزمت الحياد المؤسسي، مشيرة إلى أن مثل هذه السياسات تخلق "بيئة خنق فكري" داخل الحرم الجامعي.

وشدّدت الرسالة على أن "الجامعة يجب أن تكون موطنًا للنقاد، لا ناقدًا بحد ذاته"، مستندة إلى ما يُعرف بـ"تقرير كالفن" الصادر عن جامعة شيكاغو عام 1967، والذي دعا الجامعات إلى التزام الحياد في أعقاب أحداث سياسية محتدمة مثل حرب فيتنام.

ولا تُطبق سياسة الحياد المؤسسي حاليًا سوى قلة من الجامعات البريطانية، مثل جامعة كوين ماري، وكلية لندن للاقتصاد، وإمبريال كوليدج لندن، مقارنةً بما يقارب 140 جامعة أمريكية.

ويسود الاعتقاد بأن التحول التدريجي نحو الحياد في الجامعات الأمريكية تسارع بسبب الجدل المصاحب لحرب إسرائيل على غزة، حيث تعرضت بعض المؤسسات، مثل جامعة هارفارد، لانتقادات جراء تبنيها مواقف محايدة.

ويُعرَّف الحياد المؤسسي بأنه التزام رسمي في وثائق وسياسات الجامعات بالامتناع عن تبني مواقف أو أجندات سياسية أو اجتماعية أو أيديولوجية، أو الضغط على الأكاديميين والطلاب لدعمها.

وأكدت منظمات حرية التعبير أن استثناءات هذا المبدأ يجب أن تُمنح فقط حينما تتعلّق القضايا بالوظائف الجوهرية للمؤسسة، مثل التعليم والبحث العلمي، أو حينما يُفرض موقف ما بموجب القانون.

وأعرب اللورد ويليام هيغ، المستشار الجديد لجامعة أكسفورد، عن دعمه لمبدأ الحياد المؤسسي في خطاب تنصيبه، قائلًا: "لسنا بحاجة إلى سياسة خارجية. نحن لسنا دولة".

كما أيد البروفيسور عارف أحمد، مدير الحرية الأكاديمية في مكتب شؤون الطلاب، هذه السياسة قبل توليه منصبه، وكتب في مقال نُشر عام 2022 أنه يجب "إلغاء التدريب السياسي" داخل الجامعات وتبنّي الحياد.

وقد أرسل البروفيسور أحمد مؤخرًا رسائل إلى جامعات تطبّق سياسات مشابهة لجامعة ساسكس بشأن قضايا التحول الجنسي، يحثّها فيها على مراجعة إرشاداتها.

وفي ردّها، قالت جامعة ساسكس إنها تخشى أن يُقيَّد دورها الأكاديمي إذا انخرطت في مواقف سياسية، مشدّدة على أن مسؤوليتها تكمن في تعليم الأجيال القادمة من صانعي التغيير، لا في قيادة النقاشات الأيديولوجية.

من جهة أخرى، يرى بعض منتقدي الحياد المؤسسي أنه قد يمنع الجامعات من اتخاذ مواقف حاسمة في قضايا مثل معاداة السامية، ويُستخدم أحيانًا كذريعة للتهرب من التزامات أخلاقية أو اجتماعية خشية نفور المانحين.

وقال ويليام ماكيسي، مؤسس مجموعة "خريجون من أجل حرية التعبير"، إن "الحياد هو أحد أفضل السُبل لتطهير الحرم الجامعي من التحيّز. ولكن السؤال هو: هل تهتم الجامعات بذلك حقًا؟"

وأضاف أن الأزمات القانونية والتنظيمية التي تواجه بعض الجامعات، كجامعة ساسكس، ناجمة عن فشلها في حماية حرية الرأي، ويمكن الحد منها من خلال تبني عقلية الحياد المؤسسي.

التالي فضيحة داخل كامبريدج: استطلاع يكشف التستر على قضايا التنمر والتحرش