هل تواطأت الحكومة البريطانية مع إسرائيل وما تأثير اللوبي الصهيوني في السياسة والإعلام؟
عرب لندن
اتهم موقع بريطاني في تقرير حصري نُشر في نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2024، حكومته بالتواطؤ مع إسرائيل في جرائم الحرب المستمرة ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. حيث قيل في التقرير "نرى القتل والتدمير على مدار الساعة، ونعلم أن حكومتنا شريكة في ذلك“.
وأشار التقرير إلى إن هذا التواطؤ لم يكن مفاجئًا، بل كان نتيجة لسنوات طويلة من تأثير اللوبي الصهيوني الذي تمكن من التغلغل في كافة مجالات الحياة في بريطانيا.
وأوضح التقرير أنه وعلى الرغم من استمرار الجرائم ضد الفلسطينيين منذ أكثر من 80 عامًا، ما يزال هذا اللوبي يُحكم قبضته على مراكز القوة في السياسة والإعلام، مما يثير تساؤلات عميقة حول أسباب هذا السكوت الرسمي.
تاريخ اللوبي الصهيوني في بريطانيا
تعتبر بريطانيا لاعبًا محوريًا في المشروع الصهيوني منذ بداياته. قبل وعد بلفور في عام 1917، كان الصهاينة يرون في بريطانيا القوة العظمى التي يمكنها تحقيق حلم إقامة "الوطن القومي اليهودي" في فلسطين. هذا الاهتمام العميق ببريطانيا تجسد في كلمات تيودور هرتزل، مؤسس الحركة الصهيونية، الذي اعتبر بريطانيا مركزًا رئيسيًا لتحقيق أهداف الحركة.
كما أشار الباحث الفلسطيني نوَّاف يوسف التميمي في كتابه اللوبي الصهيوني والرأي العام في بريطانيا إلى أن المنظمات الصهيونية في بريطانيا عملت على تشكيل جماعات ضغط منذ وقت مبكر، لتأمين الدعم البريطاني لإسرائيل. هذا الدعم لم يقتصر على الجانب الحكومي، بل امتد ليشمل التأثير على الرأي العام البريطاني عبر وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم.
أذرع اللوبي الصهيوني في بريطانيا
بدأت الجالية اليهودية في بريطانيا بتأسيس منظمات متعددة، من معابد ومؤسسات خيرية، وهيأت الطريق لتأسيس لوبي سياسي يدافع عن سياسات إسرائيل. وبحلول السبعينيات، شهدت بريطانيا تأسيس أولى المنظمات المتخصصة في الضغط على الحكومة البريطانية لصالح إسرائيل، مثل "لجنة الشؤون العامة البريطانية الإسرائيلية" (BICOM).
وتوسعت أنشطة اللوبي الصهيوني لتشمل مؤسسات الإعلام الكبرى، حيث كانت الصحف والقنوات الإعلامية تروج بشكل مستمر للسياسات الإسرائيلية، ما أسهم في تشكيل رواية داعمة لإسرائيل وتجاهل معاناة الفلسطينيين.
كما امتدت تأثيرات اللوبي إلى البرلمان البريطاني، حيث تسعى بعض الشخصيات السياسية المؤثرة التي تحظى بعلاقات قوية مع هذا اللوبي إلى التأثير في القرارات الحكومية المتعلقة بالشرق الأوسط.
ولا يقتصر تأثير اللوبي الصهيوني على السياسة الخارجية لبريطانيا فحسب، بل يمتد أيضًا إلى القضايا الداخلية. فالتأثير على الأحزاب السياسية، سواء من خلال الضغط المباشر على النواب أو عبر تمويل الحملات الانتخابية، يضمن استمرارية الدعم الحكومي لإسرائيل.
ولا تزال العلاقة بين بريطانيا وإسرائيل، التي نشأت منذ بدايات القرن العشرين، تشهد تحولات قوية في ظل التأثير المتواصل للمنظمات الصهيونية.
ورغم الانتقادات العالمية لممارسات إسرائيل، فإن الحكومة البريطانية تستمر في تأييدها القوي لهذه السياسات. مما يعكس بوضوح أن اللوبي الصهيوني في بريطانيا ليس مجرد قوة ضغط عابرة، بل هو جزء أساسي من شبكة مصالح طويلة الأمد، تُؤثر في مجريات السياسة البريطانية وتُحركها.
وتعتبر أذرع اللوبي الصهيوني في بريطانيا جزءًا أساسيًا من الحركة المؤيدة لإسرائيل، حيث تتعدد المنظمات التي تمثل الجالية اليهودية وتنشط في دعم إسرائيل. من بين هذه المنظمات، نجد:
مجلس نواب اليهود البريطانيين: تأسس في 1760، وهو أقدم هيئة تمثيلية يهودية في المملكة المتحدة. يعمل المجلس على توضيح مواقف الجالية اليهودية بشأن إسرائيل للبرلمان البريطاني ووسائل الإعلام، بالإضافة إلى تنسيق العلاقات بين إسرائيل والدول الأخرى.
مجلس القيادة اليهودية: يهدف إلى تعزيز مصالح الجالية اليهودية في بريطانيا، ويشمل العمل مع السياسيين والإعلاميين لضمان استمرار دعم إسرائيل في المملكة المتحدة. كما قامت هذه المنظمة بإنشاء "لجنة الأنشطة اليهودية" التي تروج لقضية إسرائيل عبر التبرعات وحملات الضغط السياسي.
الاتحاد الصهيوني لبريطانيا العظمى وإيرلندا: تأسس في 1899، وهو يعمل على تعزيز فكرة الوطن القومي اليهودي في فلسطين. يروج الاتحاد للصهيونية بين الجاليات اليهودية في بريطانيا ويجمع التبرعات لدعم المستوطنات في فلسطين.
حركة العمال اليهودية: تأسست مع تطور الأحداث في الحرب العالمية الثانية، وارتبطت بحزب العمال البريطاني في 1942. تساهم الحركة في تعزيز موقف الحزب في قضايا فلسطين ودعم حقوق اليهود.
أصدقاء إسرائيل المحافظون: تأسست عام 1974 في حزب المحافظين البريطاني، وتعتبر أكبر مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في بريطانيا. تضم المجموعة أكثر من 80% من نواب الحزب، وتنظم حملات دعم للسلام في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مكافحة معاداة السامية.
محامو المملكة المتحدة من أجل إسرائيل: منظمة غير ربحية تقدم الدعم القانوني لإسرائيل، وتتخصص في التصدي للحملات المناهضة لإسرائيل عبر القنوات القانونية في المملكة المتحدة والدولية.
اللوبي الصهيوني في البرلمان البريطاني
كشفت تقارير عن تلقي العديد من النواب البريطانيين تمويلًا من جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل. وفقًا لموقع "Declassified" في يونيو 2024، فإن حوالي 180 من أصل 650 نائبًا قد استفادوا من تمويلات هذه الجماعات، حيث قاموا برحلات إلى إسرائيل بتكلفة إجمالية تتجاوز نصف مليون جنيه إسترليني.
وتشمل أبرز الجهات الممولة للرحلات "أصدقاء إسرائيل المحافظين" و"أصدقاء إسرائيل في حزب العمال"، حيث مُوِّلَت رحلات لعشرات النواب إلى إسرائيل، ما يعكس تأثير اللوبي الصهيوني في السياسة البريطانية، خاصة في دعم المواقف المؤيدة لإسرائيل.
ويأتي ذلك في الوقت الذي كشف فيه تقرير صادر عن مركز الرصد الإعلامي التابع للمجلس الإسلامي في بريطانيا في أغسطس 2024، أن وسائل الإعلام البريطانية استخدمت لغة منحازة لصالح إسرائيل في تغطية الهجمات على قطاع غزة.
أشار التقرير إلى أن 70% من الأخبار المصورة التي نُشِرَت، والتي بلغت حوالي 177 ألف خبر، استخدمت مصطلحات مثل "مجزرة" و"مذبحة" و"وحشية" لوصف الهجمات ضد الإسرائيليين، بينما كانت تستخدم عبارة "ما يقال إنها مجزرة" عند الحديث عن الاعتداءات على الفلسطينيين.
وأظهر التقرير أن الإعلام البريطاني قدم الهجمات الإسرائيلية على غزة على أنها "حرب بين إسرائيل وحركة حماس" في 76% من الأخبار، بينما تم ذكر "غزة المحتلة" فقط 28 مرة في تلك التغطيات.
كما أشار إلى أن الأخبار المصورة المتعلقة بحقوق الفلسطينيين كانت نادرة، حيث وردت في 7% فقط من الأخبار الصادرة عن وسائل الإعلام اليمينية المتطرفة.
بينما أشير إلى القتلى الإسرائيليين في 67% من الأخبار المصورة باستخدام تعابير عاطفية مؤثرة، بينما انخفض هذا المعدل إلى 10% فقط عندما تم الحديث عن القتلى الفلسطينيين.
ومن بين 100 نموذج عشوائي فُحِصَت، اُسْتُخْدِمَت كلمات مثل "وحشية" و"مذبحة" و"مجزرة" بشكل متكرر للإشارة إلى الهجمات ضد الإسرائيليين، في حين كانت هذه المصطلحات نادرة عند الحديث عن الفلسطينيين.