عرب لندن
محمد أمين
كاتب فلسطيني مقيم في بريطانيا
كفلسطيني بريطاني أقيم في المهجر، أشارك في المؤتمر الوطني الفلسطيني الذي ينعقد بعد أيام في الدوحة، آملا في أن تسهم هذه المبادرة وهذا المؤتمر ونداؤه الوطني في تصويب الخطأ التاريخي باستبعاد فلسطيني المهاجر والشتات من صناعة القرار الوطني الفلسطيني، واختزاله في جزء من جغرافيا الوطن، وتحديدا وللدقة في يد أشخاص معدودين ربما على الأصابع. أشارك ويشارك مئات النشطاء والأكاديميين والإعلاميين الفلسطينيين من مختلف أنحاء العالم لندق معا جدران الخزان، ولنضغط باتجاه استعادة المشروع الوطني الفلسطيني عبر إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية في هذه اللحظة المفصلية بالغة الخطورة التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.
هو وضع خاطئ وشاذ، ومستمر جراء الانحراف الذي حصل عقب أوسلو، الاتفاق الذي استبعد فلسطينيي الخارج والشتات من صناعة القرار، كما غيب فلسطينيي المهاجر الأوروبية وأمريكا وأخواتها بإقصائه منظمة التحرير الفلسطينية التي كانت البيت الفلسطيني الجامع للداخل والخارج، حولها أوسلو لتابع للسلطة الفلسطينية المحاصرة هي الأخرى بالاحتلال الذي ترزح تحت وطأته رغم كل أحاديث "الدولة المتخيلة". يقول المؤتمر في بيانه التأسيسي إن إصلاح ذلك العطب يكون بمعالجة السبب، عبر استعادة منظمة التحرير الفلسطينية، فمنظمة التحرير بحاجة لتحرير واستعادة لتتمكن من تمثيل الداخل والخارج والكل الفلسطيني في هذه اللحظة المفصلية في تاريخ شعبنا وقضيتنا.
أشارك في المؤتمر الوطني والتحديات المحيطة بنا كشعب وبقضيتنا وبأمتنا غير مسبوقة، فلا داع للتفصيل في القول حول مشروع تصفية القضية الفلسطينية المطروح والمسنود من أكبر دولة في العالم، وأكثر رئيس من رؤسائها التزاما وتَجنُّدا لتنفيذ مشروع اليمين المتطرف. هي نكبة أخرى لكنها كذلك فرصة كبرى لاستنهاض المشروع الوطني الفلسطيني وبعث الروح فيه، والتصدي لكل مخططات التهجير والتطهير العرقي، فثمة مهمة كبرى ملقاة على المؤتمرين في الدوحة الأسبوع المقبل تتمثل في ضرورة الوضوح وعدم المجاملة في تشخيص القاع الذي وصلنا إليه، والذي يهدد الشعب والقضية، وما القضية دون شعب يدافع عنها؟!، وكذلك مطلوب منهم الوضوح والصدح بأن أوسلو كان كارثة وطنية وخطيئة تتحمل ما انتهينا إليه من انقسام وعدوان، وحملات استئصال وتطهير عرقي، ولأمانة النقل فقد أعلن المؤتمر مبكرا براءته من أوسلو.
لا نحتاج للتأكيد على أن الاحتلال هو المتسبب الأول والأخير لكل الجرائم بحق الشعب الفلسطيني قبل أوسلو وبعد أوسلو، وقبل السابع من أكتوبر وبعد السابع من أكتوبر، لكن التيه الذي دخلنا فيه عقب أوسلو منح الاحتلال الوقت لتنفيذ مشاريعه، كما أعفاه من واجباته ووفر له احتلالا مجانيا، وعليه فإن مبادرة وحراك المؤتمر الوطني الفلسطيني أمام أسئلة عديدة ليس عن اليوم التالي فقط، وإنما عن شكل الخيارات التي سيُقرها المؤتمرون للضغط لإنفاذ مطالبهم، وحسب البيان فإن المؤتمر حراك للحوار والضغط والتغيير، لكن الكلمات الثلاثة تحتاج برامج تفصيلية ومدد زمنية وخيارات بديلة في حال فشلها وهو ما سيجيب عنه المؤتمر والمشاركون فيه، لأن هذه المهمة عاجلة، ولا تحتمل الانتظار، ورأيي أن الخيارات يجب أن تبقى كلها مفتوحة وأن يكون المؤتمر في حالة انعقاد دائم يقيّم المشهد الفلسطيني ويقرر تبعا لتطوراته، ولمدى استجابة الفاعلين السياسيين لنداء المؤتمر.
ينعقد المؤتمر وليست فلسطين فقط التي أمام "بلفور جديد"، إنما المنطقة برسم سايكس بيكو جديدة، و مسؤولية إفشال ذلك ملقاة أولا على عاتق الفلسطينيين أنفسهم بضرورة وجود قيادة فلسطينية موحدة ومشروع وطني جامع لمجابهة صفقة ( ترمب- نتنياهو) في نسختها الثانية الأبشع والأخطر من الأولى، وذلك عبر وحدة فلسطينية في داخل الوطن وخارجه في القرار والمشروع والمصير، وهو ما يسعى لمناقشته ودق ناقوس الخطر حوله، وحشد النخب والفاعلين السياسيين الفلسطينيين في الداخل والشتات والمهاجر للضغط من أجله ومن أجل وحدة وطنية حقيقية عبر إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطيني، والإعداد لمواجهة ما يسمى باليوم التالي بيوم تالي فلسطيني خالص.
وتنطلق أعمال المؤتمر عقب نداء أطلقته مجموعة من النخب والشخصيات الوطنية الفلسطينية والكتاب والصحافيين والأكاديميين الفلسطينيين منذ عام ونيف بضرورة إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس وطنية، إذ إنها المظلة الفلسطينية الوحيدة المجمع عليها، والقادرة على توحيد الشعب الفلسطيني واستعادة مشروعه الوطني التحرري الذي ينطلق من مسلمات بديهية: بأننا شعب تحت الاحتلال يناضل من أجل أن يتحرر من محتله، ويرفض الاندثار، نحن لسنا قضية إنسانية ولم نُهَجّر أو نباد جراء كارثة طبيعية إنما بسبب احتلال استيطاني استعماري يقيم نظام فصل عنصري يرمي لتطهيرنا عرقيا، ونفينا كسكان أصلانيين.
إن صمود الفلسطينيين اليوم ووحدتهم صمام أمان بمواجهة ما يسمى " شرق أوسط جديد" تقول حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل أنها تريد إعادة تشكيله، وإفشال ذلك سهل عبر قيادة فلسطينية موحدة مدعومة بموقف عربي رافض لخطة التهجير والتطهير، وإسناد لصمود الفلسطينيين بإدخال البيوت المؤقتة والخيم والطعام والشراب عبر بوابة رفح العربية، وتعليق اتفاقات التطبيع وقطع الدول المطبعة لعلاقاتها مع الاحتلال، وإعلان خطة عربية ومشروع مارشال عربي لإعمار غزة دون انتظار موافقة نتنياهو ولا ترمب.
وعلى مقربة من انعقاد المؤتمر الوطني في الدوحة، تحضر أسئلة الجدوى، وهي أسئلة محقة، لماذا نحتاج لهذا المؤتمر ولكل هذا الحراك؟، والإجابات مختصرة وواضحة ومحددة:
- لاستثنائية اللحظة وحقيقة أننا أمام مخاطر نكبة ثانية تهدف لاستكمال ما فشل الاحتلال عن إنجازه في عامي 1948 و 1967.
- إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية .
- مواجهة اليوم التالي للحرب، والبناء على إنجازات وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته.
- أن هذا الحراك في المؤتمر الوطني يبني على حراكات سابقة شخصت العلة المتمثلة في اختطاف السلطة الفلسطينية لمنظمة التحرير والقرار الفلسطيني، ويقول المؤتمر بصراحة إ ن منظمة التحرير بحاجة لتحرير وإعادة بناء .
- هذا الحراك يقول بكل صراحة أنه ليس بديلا عن المنظمة ولا يطرح نفسه بديلا إنما هو حراك للضغط لإصلاحها وإعادة تشكيلها، وهذا تأكيد مبكر يقطع الطريق على حملات استهداف المؤتمر والمؤتمرين المتوقعة.
- خلق وعي عام ورأي عام فلسطيني ضاغط على كل القوى والفصائل للوحدة وإنهاء انقسام غير مبرر مطلقا والشعب الفلسطيني يتعرض للتطهير العرقي وحرب إبادة غير مسبوقة منذ النكبة الأولى، بل منذ الحرب العالمية الثانية لم يتعرض شعب لما يتعرض له الشعب الفلسطيني، وربما في التاريخ الحديث كله.
هو نداء للوحدة الوطنية، وإصلاح ما أعطبته سنوات أعقبت أوسلو وتيه وطني تسبب به أوسلو استغل الاحتلال سنواته لاستكمال مشاريع تصفية القضية وتهجير الشعب الفلسطيني، وها هو اليوم يستقوي بأمريكا لإتمام نكبة جديدة ويستغل اللحظة الحالية، فيا "فلسطينيي العالم اتحدوا"، هذا ليس ترفا ولا شعارا، إنما ضرورة وطنية ملحة ومصيرية، فنحن في لحظة فارقة كشعب وكقضية وكأمة وكمجموعة بشرية في هذه المنطقة من العالم.