عرب لندن

انشغل الرأي العام البريطاني، لفترة معتبرة، بقضية نيكولا بولي، التي فقدت ثم عثر على جثتها لاحقا. ومما زاد من الاهتمام وسائل التواصل الاجتماعي، والرغبة لدى البعض بانتحال صفة محقق، أو تقريبا.

احتاجت الشرطة البريطانية إلى ثلاثة أسابيع للعثور على جثة نيكولا بولي، وهي أم إنكليزية فقدت خلال تنزهها مع كلبها، في قضية أثارت اهتماما واسعا، لدرجة أنها جندت عددا كبيرا من هواة الاستقصاء عبر الشبكات الاجتماعية.

ورغم أن الظاهرة معروفة في الولايات المتحدة، لكن قلما تستقطب حادثة فردية في بريطانيا مثل هذا الانتباه من عدد كبير من الأشخاص المغمورين الذين يوثقون عبر حساباتهم على تيك توك أو إنستغرام عمليات البحث التي يجرونها، ما يزيد حال الضيق لدى أقرباء الضحية وقوات الأمن.

وكانت رصدت نيكولا بولي، وهي مستشارة عقارية تبلغ 45 عاما، آخر مرة على قيد الحياة عند ضفاف بحيرة واير في 27 كانون الثاني/يناير في شمال غرب إنكلترا، حيث كانت تقوم بنزهة لكلبها بعد توصيل ابنتيها إلى المدرسة. وكان هاتفها لا يزال متصلا بندوة إلكترونية لدى العثور عليه على مقعد.

وعثر على جثتها بعد ثلاثة أسابيع في البحيرة من جانب الشرطة التي استبعدت منذ البداية حصول جريمة قتل، مركزة على فرضية سقوط بولي عرضا في المكان، ما أثار انتقادات كثيرة.

وتصدرت القضية عناوين الأخبار في الصحف، وبعض القنوات الإخبارية قامت بتغطية مباشرة مطولة من مكان الحادثة، مع محاولة استرجاع مسار بولي الأخير قبل فقدانها.

ومع استمرار عمليات البحث من جانب الغواصين، استخدم وسم باسم نيكولا بولي ملايين المرات عبر الشبكات الاجتماعية من مستخدمين شاركوا فرضياتهم بشأن الحادثة، ما فاقم التخبط الذي عاشه ذوو الأم الأربعينية.

حتى أن أحد مستخدمي تيك توك نشر مقطعا مصورا ظهر فيه وهو يحفر في الأرض بحثا عن الجثة، كما شارك مقطعا يبين لحظة العثور على الجثمان وإخراجها من الماء.

ويقول أستاذ الإنكليزية في جامعة بوفالو الأميركية ديفيد شميد إن "الناس يحاولون تكريس وقت أطول لهذه القضايا، عبر تنصيب أنفسهم محققين، ومن خلال محاولة التحقيق وتقديم نظرة مختلفة عن الجريمة"، مشيرا إلى أن هذا المنحى موجود أصلا في الولايات المتحدة.

ويلفت شميد إلى أن الظاهرة تنامت مع طفرة الوثائقيات والمسلسلات المتمحورة حول التحقيقات الجنائية، بينها على سبيل المثال مسلسل "سيريال" الذي حقق نجاحا عالميا واسعا، وأيضا سلسلة "ميكينغ إيه موردرر" الوثائقية. ويشير إلى أن نجاح هذه المسلسلات "كشف عن نوع جديد من الاهتمامات لدى الجمهور في القضايا المرتبطة بالجرائم، يرتبط تحديدا بالعمل على قضايا عالقة أو التدخل في قضايا يعتبر الناس أن القضاء أخطأ في معالجتها".

وفي العام الماضي، أوقف القضاء الأميركي ملاحقة أميركي أمضى 23 عاما في السجن على خلفية جريمة قتل دأب على تأكيد براءته منها، بعدما سلط مسلسل "سيريال" الأضواء على القضية.

لكن بحسب ديفيد شميد، فإن الوثائقيات المرتبطة بالتحقيقات الجنائية قد تقع بسهولة في فخ الاستعراض الرامي لجذب المشاهدين. ففي العام الماضي، تعرض مسلسل "الوحش: قصة جيفري دامر" الذي بثته شبكة نتفليكس، ويتناول السفاح الشهير، لانتقادات من أقرباء الضحايا.

وقال إريك بيري، وهو قريب أحد ضحايا جيفري دامر، إن "أسوأ يوم في حياتكم يصبح موضوع المسلسل المفضل لجيرانكم". كما أن دخول هواة على خط التحقيقات، وهو ما بات ممكنا بفضل التقنيات الجديدة وقواعد البيانات المتاحة عبر الإنترنت، يطرح تساؤلات بشأن إمكان إتلاف أدلة أو إلحاق أذى بشهود ي شتبه بهم زورا .

وفي إطار عمليات البحث عن نيكولا بولي، اضطرت الشرطة المحلية إلى إصدار "أمر تفريق" في ظل انتشار عدد كبير من المحققين الذين كانوا يجوبون غابات المنطقة بحثا عن الجثة.

وتقول المتخصصة في شؤون الإعلام في جامعة ويسكونسن الأميركية أماندا كيلر "نشاهد مسلسلات بوليسية كثيرة، نسترسل فيها ونجد متعة في التفكير بالقضايا وحلها، لكن ثمة تباعد حقيقي بين برامج التلفزيون والشخصيات على أرض الواقع". وفي قضية نيكولا بولي، يبدي شميد قلقا إزاء "شعور شبه محسوس بخيبة الأمل" لدى البعض. ويتساءل "أين وصلنا كمجتمع (...) لنشعر بما يشبه خيبة الأمل لأن القضية لم تكن جريمة قتل".

السابق سائقة حافلة تنقذ خروفا ضل طريقه وتسبب في اضطراب على حركة السير في يوم عملها الأول
التالي تركيا .. انتشال كلب من تحت الأنقاض بعد 23 يوما على الزلزال