عرب لندن
كانت ثلاجة سيليا باروس فارغة قبل أسبوع، ولم يكن فيها ما يسد جوع أبنائها، لكن هذه الأم البرازيلية العازبة تكاد اليوم لا تجد متسعا لحفظ المواد الغذائية، إذ تدفقت عليها التبرعات من كل حدب وصوب بعدما اتصل ابنها البالغ 11 عاما بالشرطة مستغيثا .
وبادر الفتى ميغيل، العنصر الذي رد عليه، بالقول "حضرة الشرطي، لم يعد لدينا ما نأكله في المنزل". وأتت خطوة الفتى بعد ثلاثة أيام كان خلالها أفراد الأسرة السبعة الذين يعيشون في غرفة تحت سقف أحد الأبنية في سانتا لوزيا قرب بيلو هوريزونتيه (جنوب شرق) يأكلون فقط دقيق الذرة المخلوط مع الماء.
وأرسل الشرطي الذي تلقى المكالمة الهاتفية عناصر إلى المكان لاعتقاده أن أحوال الأسرة سببها إهمال من الوالدين. لكن ما صادفه العناصر عند وصولهم يمثل مشهدا مألوفا جدا في البرازيل، هو عبارة عن أم عاجزة عن إطعام أبنائها لأن التضخم أدى إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين الأكثر فقرا في البرازيل التي ي عد اقتصادها الأكبر في أميركا اللاتينية.
وتوجه الشرطيون إلى أحد المتاجر لشراء الأطعمة لأفراد الأسرة. وفيما تولوا دفع قسم من ثمنها، تبرع مدير المتجر بالقسم المتبقي بعدما أوضح له العناصر سبب وجودهم في الحي.
وعندما تناولت الصحافة المحلية القصة المؤلمة هذه، تأثر البرازيليون من مختلف أنحاء البلاد بمأساة عائلة باروس، وبدأت التبرعات تنهال عليها.
وأصبح مطبخ العائلة الضيق الذي كان خاليا سابقا من أي مواد غذائية يبدو وكأنه متجر صغير.
ويقول الفتى ميغيل لوكالة فرانس برس وهو يفتح خزانة ممتلئة بالمواد الغذائية "تلقينا الكثير من الأطعمة وسلعا أخرى وأنواعا من المأكولات لم أكن أعرفها من قبل". أما والدته سيليا (46 سنة) فلها ثمانية أبناء تتولى حاليا تربية ستة منهم بمفردها.
وكانت تؤمن مردودها من أعمال متفرقة تولتها قبل جائحة كوفيد-19 التي أصبحت خلالها عاطلة من العمل. وتقول متنهدة وهي تحمل أصغر أبنائها، وهو رضيع "لقد عانينا كثيرا، فالجوع مؤلم جدا. لن أنسى تلك اللحظات أبدا ". وتضيف "لم تكن لدي أحيانا القوة لمجرد النهوض. وعندما لاحظ ميغيل أنني في حالة يأس وأبكي باستمرار قرر أن يتصرف. وأصبح وضعنا مختلفا تماما عن السابق".
ولاقت مأساة هذه العائلة اهتماما خاصا في بلد أصبح الجوع فيه مجددا مشكلة رئيسية، بعدما قضي على هذه الظاهرة خلال سنوات العقد الفائت.
وللمرة الأولى منذ سنة 2014، عاودت البرازيل الظهور هذا العام في مؤشر الجوع العالمي الذي تضعه الأمم المتحدة، إذ يعيش بحسب هذا المؤشر 28,9 % من البرازيليين في حالة "انعدام أمن غذائي" معتدل أو شديد.
وتنتشر بشكل متزايد عبر شبكات التواصل الاجتماعي صور تظهر أشخاصا يتضورون جوعا ويتقاتلون في حاويات النفايات للحصول على بقايا الأطعمة.
وفي ظل هذه الظاهرة المؤلمة، تفخر سيليا بتوفيرها المساعدة لجيرانها الفقراء عبر ملء ثلاجاتهم بالمواد الغذائية. وتقول "تلقينا مساعدات كثيرة حتى اليوم لدرجة أنني أصبحت قادرة على مساعدة الآخرين بعدما كنت أعاني نقصا تاما بالأطعمة".