​​فاطمة الرمحي

 

كثيراً ما حلمت أنني أجلس على شاطئ بلد ما لا أعرفها، كنت أرى نفسي في "شاليه" أمسك باللاب توب الخاص بي وأكتب، تماماً مثل ما قررت أن أفعله الآن، وكل ما هو مختلف أنني على السرير أكتب ما أعتبره مقالة أولى، أو ربما مجازفة أولى، أو خيبة أولى، نسيت أن أبرر وجودي على السرير عوضاً عن المكتب، الأمر بسيط فأنا لا أمتلك مكتباً، ولا أفضل الجلوس وراء المكاتب، أشعر أنها مقيتة ومبتذلة جداً، فإن لم تجدوني على السرير، فإنني سأكون حتماً على الأريكة. 

أعرف أنها مقدمة لا معنى لها وهو المقصود تماماً، ذات السؤال الذي تعودنا أن نسأله لبعضنا، كيف حالك؟ ولا يرغب أي منا حقيقة معرفة حال الطرف الآخر، إلا أننا اعتدنا، ومن باب الأدب ولياقة الحديث أن نقول مرحبا، لتليها فوراً كيف حالك، وقبل أن يجيب الطرف الآخر عن حاله ندخل في صلب الموضوع، تماما كما سأفعل الآن، سأدخل في صلب الموضوع بعد مقدمة ليست مهمة. 

كثيراً ما فكرت أنني سأصبح يوماً ما أريد، مثل كثيرين كتبوا هذه الجملة على حساباتهم الوهمية على منصات التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت هي أيضاً مبتذلة، أساسا لا أعرف إن كان يعرف أحداً منا ماذا يريد أن يصبح أصلاً؟ منذ الولادة لا يقرر أحد مصيره في بلاد العرب أو الشرق أو حتى الغرب لكي لا أكون منحازة، نحن نمتلك عيوباً وهم لديهم أطنان أخرى منها. هكذا نحن البشر نتفق فقط على الخراب والبشاعة! 

صادمة أنا هذه المرة ولست مبتذلة، كم من المرات خذلتك أحلامك وطموحاتك، وبلادك؟

سأتحدث عن نفسي، أنا خذلت مرات عديدة، مرة من أحلامي وأخرى من بلادي.

أنا أردنية، ولا أمتلك حق الاختيار، أنا ملزمة بخيارات محددة، فمثلاً تعتبر مجازفة أن تتزوج أردنية من أجنبي، ولا أقصد بالأجنبي هنا الأعجمي، بل على العكس تماماً أقصد عربياً من جنسية أخرى، لأنني ببساطة شديدة سأنجب طفلاً يدعى "ابن الأردنية" ولن يمتلك حقوقاً كثيرة، وسيعامل معاملة الغرباء، على عكس ما يمكن أن يتحصل عليه ابني "ابن الأردنية" في بلاد أوروبية مثلاً! ولهذا كانت أحد طموحاتي هي الهجرة! لأنني فقدت الأمان في بلادي.

تخيل معي أن تنجب امرأة أردنية طفل في بلدها الأم الأردن فلا تتمكن من إصدار أوراق ابنها القانونية ولا حتى جواز أردني، ولا إقامة دائمة، رغم أنه ابن أردنية، وولد على الأرض الأردنية. حيث يحق للأمهات الأردنيات أن يصدرن لأبنائهن جواز سفر مؤقت بإقامة مؤقتة في الأردن، ويتم تجديدها كل عام مثل الغرباء عن البلد. في المقابل سيحظى هؤلاء الأولاد بحقوق مواطنة كاملة وحقوق الجواز والتعليم والتوظيف في بلاد أوروبية غير عربية لمجرد أنهم ولدوا فيها، أو سكنوا فيها. 

وبالعودة إلى قولي إن البشر لا يتفقون إلا على الخراب، أقول إن الغرب تفوقوا على العرب باحترام الإنسان لكونه إنسانا، وليس لأنه ابن أردنية أو ابن عراقي، أو مصري، أو ليبي! 

وأما بالنسبة للقوانين وحقوق المواطنة المتعلقة بالمرأة، فجدير بالذكر أن الدستور الأردني في المادة السادسة كفل حق عدم التمييز بين الأردنيين. حيث تقول المادة "الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات، وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".

وأعتقد مما لا شك فيه أن كلمة الأردنيين هنا تشمل الذكر والأنثى، إلا في حال أن الأردن لا تعلم بوجود النساء ضمن التعداد السكاني! ولا أظنه شيئاً منطقيا تماماً كما لا أجد منطقا في رفض إعطاء الأمهات الأردنيات حقاً منح الجنسية لأبنائهن. 

 وبالعودة للحديث عني، فإنني بطبيعة الحال لم أتمكن من إنجاز أي شيء تخيلته سوى أنني أكتب الآن من سريري المتواضع في (عمان - الأردن) الموجعة الشافية، الحنونة القاسية.



 

السابق جون سنو.. الصحافة هي الضمير
التالي فلسطينيو بريطانيا يقاضون بريطانيا