محمد أمين

كاتب فلسطيني

 

الإعلامي البريطاني "جون سنو" "الداعم لفلسطين ترجل عن صهوة جواد الشاشة بعد 32 عامًا  من العمل فيها، قامة كبيرة وأستاذ لابد للعاملين في هذه المهنة أن يقتفوا أثره.

 فقد نشر "سنو" يوما تقريراً عبر القناة الرابعة قال فيه: "لا أستطيع أن أقتلع صورة نعمة من ذهني، نعمة التي لا تبلغ من العمر إلا سنتين، فجمجمتها وأنفها المكسوران، أورثاها تقيحات كبيرة بحجم عيني الباندا، مما أغلق عينيها الصغيرتين.

تجربة سنو الذي فصل من الجامعة عام 1970 إبان دراسته للقانون في جامعة ليفربول بسبب دوره في الاحتجاجات ضد نظام الفصل العنصري، مسيرة نضالية تؤكد أنه لا يمكن فصل "النضالي عن الإعلامي" في مسيرة الصحافي، وهو موضوع هذا المقال.

 ففي غمرة الانفجار الإعلامي عبر الشاشات والصحف ومواقع الانترنت، يغيب كثيرا عن كثير من العاملين في المهنة أنهم "حراس بوابة إعلامية"، وأن وظيفتهم إلى حد كبير تتشابه مع وظيفة النواب في البرلمانات، فهم مندوبو المجتمع المفوضون بتمثيله في مراقبة بقية السلطات، فهم سلطة فوق كل السلط، إنهم عين المشاهد ، ولابد أن تكون لكل فرد منهم رسالة، لأن الصحافة مهنة الرسالة وليست مجرد وظيفة.

 يتوجب على الإعلامي إعلاء قيمه ومبادئه ورسالته دوما فوق وقبل كل شيء، فالصحافة مهنة أخلاقية  ، هي مسؤولية تجاه المجتمع، مقياس النجاح الحقيقي فيها ليس الشهرة، وإنما الوفاء لما يحمله الصحافي من أفكار، وذروة سنام مقاييس نجاحها تكمن في الانحياز للمظلوم، فالحياد مصطلح مضلل، لا يمكن أن يكون الصحافي صحافيا إذا ساوى بين الجلاد والضحية، إذا وقف متفرجا على انتهاك حقوق الإنسان وحريته و حياته، فكما يقال الحياد في المعارك الأخلاقية مشاركة في الجريمة.

وعند الحديث عن القيم التي ينبغي على الصحافي التمسك بها، لابد من المرور على الظواهر اللا إعلامية التي تزدحم بها الشاشات العربية، إذ تبرز هذه الأيام ظاهرة "الفهلوة الإعلامية"، وتتضخم حتى التخمة في قالبين: الأول : " أبواق الأنظمة"، والثاني  أقلام " التدخل السريع"، الفرق بينهما أن الأول موظف في قطاع الأمن برتبة صحافي يتلقى التوجيهات عبر "أجهزة السامسونج" ، أما الثاني فيبيع خدماته بالقطعة لمن يدفع أكثر.

عندما يبدأ الصحفي في تبرير تبريره للحكومات فإنه يفقد تلقائيا صفة الصحافي، مهمة الصحافي تكمن في نقل الأخبار وكشف الحقائق، وليس معاونة الحكومات والأنظمة ورجال الأعمال والمتنفذين في تغطيتها، الصحافي ينقل القصة ولايمكن أبدا أن يكون صحافيا من يلفقها.

إن تعريف المهنية باختصار شديد برأيي : أن  تنقل الحقيقة ولا تقلبها، وأن تنحاز لها ولا تكتفي فقط بنقلها،  فليس من الموضوعية أن تقف على مسافة واحدة من الظالم والمظلوم، ولا شيء مهني وإنما مهين في تكرار مقولة:" ناقل الكفر ليس بكافر"، ففي اللحظة التي يكذب فيها الصحفي على الجمهور فإن العقد الذي بينه وبين المجتمع  يعتبر منحلا بالضرورة.

تجربة العملاق جون سنو ، تعطينا عددا من الخلاصات في العمل الصحافي : أولها أن مفاتيح المهنة ليست في الوسامة ولا الأناقة ولا تصفيف الشعر، وإنما في ثقافة الصحافي، ومبدئيته، وكم القيم التي يعتنقها ويناضل من أجلها.

ولم يتذكر الجمهور سنو بسبب ألوان ربطات عنقه الغريبة وإنما بسبب مبدئيته ومناصرته للقضية الفلسطينية، ورفضه للحروب ، وتنديده بنظام الفصل العنصري، في اشتباكه مع الميدان والأمانة في نقله للأخبار، الصحافة هي  قضية ،  رسالة،  من لا يجد لديه قيمة يكرس حياته في سبيلها لن يحدث بصمة ولا أثر، وهو ليس صحافيا برأيي.

 

 

السابق هل ستغادر ماكدونالدز وكوكاكولا وبيبسي روسيا ردا على الحرب؟
التالي سأنجب طفلاً "عربياً" يوماً ما