بقلم: محمد عايش
يحلو لبعض الخليجيين الاحتماء بالولايات المتحدة وإسرائيل وإشاعة القول بأنهما ـ أي واشنطن وتل أبيب – يمكن أن يتصديا للخطر الإيراني الذي يهدد المنطقة، ويستشهدون على ذلك بأن أمريكا أنجدتهم من الخطر العراقي خلال العقد الأخير من القرن الماضي، لكن واقع الحال وحقيقة الموقف هو أن أمريكا لن تحارب إيران هذه المرة، وإيران أصلاً ليست خطراً على المنطقة، وعليه فإن تلك النظرية غير صحيحة برمتها.
التوتر الحالي في منطقة الخليج لم يسبق أن شهدنا له مثيلاً منذ سنوات، وحادثة الفجيرة الغامضة وتعرض ناقلتي نفط سعوديتين للتخريب، قد تصب باتجاه إشعال مزيد من التوتر في مياه الخليج، كما أن الولايات المتحدة تُحرك أساطيلها العسكرية بشكل غير معتاد، لكن كل هذا ليس معناه أن حرباً على الأبواب، ولا أن هذا التوتر سيتطور ليصبح مواجهة عسكرية مباشرة بين طهران وواشنطن. الولايات المتحدة لن تشن حرباً على إيران، ولن تسمح بأي اشتباك عسكري معها في المنطقة، وذلك لأن واشنطن لا تستطيع، وليس لا تريد أن تخوض حرباً مع إيران، أما أسباب عدم قدرة الولايات المتحدة على خوض الحرب مع إيران فيمكن إجمالها في التالي:
*أولاً: الولايات المتحدة في حالة انكفاء وليست في حالة توسع على مستوى منطقة الشرق الأوسط، وذلك منذ خروجها من العراق بخسائر كبيرة من بينها أنها دخلت العراق في عام 2003 بمديونية عامة تبلغ 6.7 تريليون دولار، وخرجت منه بعد عشر سنوات بأكبر مديونية في التاريخ البشري تجاوزت الـ17 تريليون دولار. هذا فضلاً عن فشل المشروع الأمريكي في العراق على الرغم من سنوات الاحتلال.
*ثانياً: اندلاع مواجهة عسكرية في منطقة الخليج يعني بالضرورة ارتفاع أسعار النفط الى مستويات قياسية، ستتجاوز فيها بسهولة حاجز الـ100 دولار للبرميل، وهذه المستويات لن تقبل بها واشنطن، وسبق أن فعل الرئيس ترامب ما بوسعه أواخر العام الماضي من أجل أن يضمن هبوط الأسعار. مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة هي أكبر مستهلك وأكبر مستورد للنفط على مستوى العالم، وهو ما يعني أن الحرب مع إيران ستكون لها فاتورتان، الأولى عسكرية باهظة والثانية نفطية واقتصادية باهظة أيضاً.
*ثالثاً: إيران تمتلك ترسانة أسلحة متطورة قادرة على قلب المنطقة رأسا على عقب، ولذلك فإن المواجهة العسكرية المباشرة والمفتوحة مع طهران تعني بالضرورة تهديد العديد من دول المنطقة، وهذا ما لا تقبل به على الأغلب الولايات المتحدة ولا دول المنطقة.
*رابعاً: يظل السؤال ماذا تريد الولايات المتحدة من هذا التصعيد مع إيران؟ والجواب هنا أن إدارة ترامب التي تفكر على أسس تجارية لا سياسية تريد على الأغلب ابتزاز دول الخليج العربية عبر إشعارها بأن الخطر الإيراني يتصاعد وعبر إشعارها بأن الولايات المتحدة هي المتصدي الوحيد لهذا الخطر، وعليه فإن المكاسب التي تجنيها هذه الدول من عودة أسعار النفط إلى الصعود ستدفعها إلى أمريكا بشكل أو بآخر، ليصبح الأمريكيون بذلك هم المستفيدون من ارتفاع الأسعار ومن هبوطها على حد سواء.
خلاصة القول هنا، هو أن الولايات المتحدة لن تخوض حرباً مع إيران، ولا تستطيع أن تخوضها، لأن حرباً كهذه تشكل تهديداً لسوق النفط العالمي بأكمله، فضلاً عن أنها يمكن أن تغير خريطة المنطقة، إضافة إلى أنها لا يمكن أن تنتهي إلى تحقيق مكاسب كبيرة للأمريكيين، أما التصعيد والتوتر والأزمة الكلامية والسياسية، فهذه يمكن أن تؤدي للعديد من المكاسب للأمريكيين، وأغلب الظن أن الأزمة الراهنة لن تخرج عن هذا المسار ولن تتجاوز هذه الحدود.