بقلم: محمد أمين
طبول الحرب في المنطقة أعلى صوتاً من قدرة المراقب على صم آذانه عن سماعها، فحكومة الحرب التي تحيط بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مضافا إليها شخص الرئيس الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته وردود أفعاله، معطيات توحي بأن السيناريوهات كلها واردة في سياق التصعيد بين واشنطن وطهران. وعلى الرغم من أن المقاربة الواقعية للمعطيات القائمة في الإقليم، وحسابات الربح والخسارة ترجّح عدم وجود مصلحة مباشرة للولايات المتحدة في إشعال حربٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط، خصوصا أن ترامب جاء بوعود للناخب الأميركي بسحب قوات بلاده من الساحات المشتعلة، وأن مصالح واشنطن مُصانة في المنطقة من دون الحاجة إلى تلك الحرب، إلا أن تصرّفات الإدارة الأميركية الحالية غير العقلانية تجعل الرهان على المنطق في التحليل يشوبه الشك. وقد استخدم وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، لغةً شبيهة بالتي استعملها زميله كولن باول قبيل الحرب على العراق، وربطه بين العراق وأسلحة الدمار الشامل وتنظيم القاعدة، الذي ربط بومبيو أيضا بينه وبين إيران. كما شرعت الولايات المتحدة في تضييق الخناق الاقتصادي على طهران، فيما تزداد قسوة العقوبات الأميركية تدريجيا مع شمولها كل خطوط الحياة، من النفط إلى المبادلات المصرفية، مع تواصل التدهور في سعر العملة، في مقابل رضوخ أوروبي لسيد البيت الأبيض.
هل الحرب على إيران في مصلحة العرب والمنطقة؟ وتحديدا دول الخليج العربي؟ كلفت حرب الخليج الثانية عام 1991 المنطقة 61 مليار دولار، حسب الكونغرس الأميركي، حصلت واشنطن على 52 مليار دولار من دول مجلس التعاون الخليجي، وبعدها مكافآت وعقود، 36 مليارا منها من الكويت وحدها. وحسب لجنة للكونغرس، بلغت فاتورة حرب الخليج الثانية 1300 مليار. وعليه، ستستنزف أي حرب مقبلة مقدّرات شعوب المنطقة وأموال دولهم، فضلا عن تحولهم مباشرة إلى أهدافٍ في مرمى نيران الطرفين.
وبحسبة بسيطة، وبقراءة سريعة للأرقام أعلاه، وتحليل لشخصية الرئيس ترامب القائمة على الابتزاز المستمر للسعودية، ونهمه غير المحدود لمالها، ولمال الخليج عموما، فإن أي حربٍ مقبلة ستدفع فاتورتها تلك الدول، فترامب لن ينفق قرشا واحدا من جيب المواطن الأميركي. وعلى صعيد الأمن والاستقرار، أنتجت تجربة بوش الابن في العراق بلدا مدمرا مصدرا للإرهاب والطائفية، دولة فاشلة تتصدر مؤشرات الفساد، وتتذيّل المؤشرات في حرية التعبير، بعد أن كانت في مقدمة دول المنطقة في مستويات التعليم والتنمية.
وتأسيسا على هذه المقارنة، وبعيدا عن الموقف من نظام إيران الذي أذكى، بتطرّفه ونهمه للسيطرة، الحروب في منطقتنا، وقتلت ميلشيات تابعة له آلاف العرب، فإن التدخل العسكري الأميركي وإشعال حرب جديدة في المنطقة سيحرقها بالكامل، بدلا من إنقاذها، فضلا عن أن انهيار إيران، ودخولها في فوضى، سيزيدان من تهديد أمن (واستقرار) خليج العرب الذي لن يجد وقتها عنوانا للتفاهم معه، وسيحول إيران مصدرا للإرهاب، وتفريخ جماعاتٍ إرهابية طائفية، جديدة تماما، كما حصل عقب انهيار النظام العراقي، وظهور "القاعدة" و"داعش"، فضلا عن استعمال الخلايا النائمة في الخليج لتفجيره. والمستفيد الوحيد من كل هذه الفوضى سيكون شركات السلاح والبترول في الولايات المتحدة.
الحوار القائم على احترام السيادة والمصالح المشتركة هو الحل الأمثل لاحتواء الاحتقان والخلافات المتواصلة بين دول الخليج وإيران. وعلى الطرفين تغليب الحكمة والمصلحة العليا لشعوبهما، لمنع حربٍ مجنونةٍ تلوح في الأفق، سيكون الطرفان وقودها، فعلى إيران أن تدرك أن الوصفة الوحيدة لبقائها في المنطقة هو الكفّ عن التدخل في الساحات العربية المشتعلة، والتوقف عن إذكاء الحروب والصراعات التي تلبس لبوسا طائفيا، وهي في جوهرها خلاف سياسي، ورغبة في التوسع تلبسه طهران لباس المذهب. وعلى دول الخليج أن تتوقف كذلك عن الاستماع لنصائح ترامب، وتحريضه الدائم لها، لأن من يشتم السعودية صباح مساء، ويستهزئ بقيادتها، لا يمكن أن يريد الخير لها ولشقيقاتها.
وينبغي الانتباه إلى أن جون بولتون، مستشار الرئيس ترامب، هو نفسُه الذي كتب في صحيفة نيويورك تايمز عام 2015: "لتفادي هجوم إيراني، هاجموا إيران"، ليجعل من الضرورة أن نقول إنه لتفادي حربٍ مجنونة في المنطقة، لا بد من الحكمة وإعلاء قيمة الحوار، والتوقف عن المراهنة على رئيسٍ متهورٍ ومستشارين عابثين. وفي هذا السياق اللاعقلاني الذي يحاول ترامب جر المنطقة إليه، ينبغي تذكّر الحكمة التي قالها الرئيس السابق، باراك أوباما، معلقا على حرب بوش عام 2002، وكان سيناتورا حينها: "أنا لا أعارض الحروب، بل أعارض الحروب الغبية التي لا تتأسس على سبب، بل على الرغبة"، وحرب ترامب المقبلة من النوع نفسه، غبية.