محمد أمين

رئيس التحرير

 

 أمواج بشرية جابت شوارع لندن تنديدا بالعدوان الإسرائيلي الأخير، وتضامنا مع الفلسطينيين، فقد شهد أسبوع العدوان مسيرتين ضخمتين الأولى قارب عدد المشاركين فيها 150 ألفا والثانية 250ألفا بحسب المنظمين.

تحول بالغ الأهمية بالنظر إلى أن غالبية من خرجوا في هذه التظاهرات كانوا من الإنجليز وتحديدا من فئة الشباب الذين لم يعودوا مقتنعين بالدعاية الإسرائيلية، كما بات واضحا أن تهديدات اللوبي الصهيوني لم تعد ترهبهم، ومطرقة" معاداة السامية" التهمة الجاهزة التي يوسم بها من يندد بجرائم إسرائيل، أو يبدي تعاطفا مع الفلسطينيين لم تعد فزاعة تخيفهم، فهم باختصار جيل يعتبر الحرية أهم مكتسب له، والعدالة رأس حربتها، ولا يسمح لأحد أن يصادر رأيه أو يتلاعب به، هم قادرون على معرفة أن الضحايا الأطفال لا يمكن أن يكونوا ماتوا وهم يحملون صواريخ، كما أن مكاتب الإعلام والصحافة ليست أهدافا مشروعة.

 بدى واضحا كذلك في صورة المسيرات الحاشدة المكتظة بالشباب أن هذا الجيل لا يتأثر بوسائل الإعلام التقليدية كالمحطات والصحف التي يهمين عليها اللوبي، وإنما بات يستقي الأخبار من السوشيال ميديا ومنصاتها،وهي فضاءات مازالت رحبة رغم كل المنع والتضييق،هو كذلك جيل من المتضامين الذي استفزتهم صورة العسكري الإسرائيلي بمواجهة الشباب والشابات المدنيين المدافعين عن بيوتهم في حي الشيخ جراح، والمنتفضين في القدس من أجل الحفاظ على حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية، فصورة إغلاق المساجد والاعتداء على الكنائس هي نوع من مصادرة حق الفلسطينيين في ممارسة عبادتهم، هم كذلك جيل شهدوا منذ 2008  على الهواء مباشرة حروبا متكررة على غزة، يقتل فيها الأطفال ، وتدمر فيها البيوت ثم تواصل إسرائيل الترويج أنها ضحية، وأنها تدافع عن نفسها، أمر بات عصيا على الترويج فضلا عن التصديق في العام 2021 .

 إن هذا التعاطف البريطاني مع القضية الفلسطينية هو أمر بالغ الأهمية والدلالة وينبغي البناء عليه، والاستثمار فيه في ترويج الرواية الفلسطينية، ومواجهة الرواية الصهيونية التي اشتغل عليها اللوبي الصهيوني مبكرا قبيل تأسيس إسرائيل، هذا الجهد يحتاج مراكمة ومثابرة واستثمار للإعلام الحديث، والتواصل مع المتضامين والمتضامنات، والاستمرار في ضخ المحتوى الذي يفضح الرواية الصهيونية، ف "الغرب الرسمي" منحاز لإسرائيل، لكن "الغرب الشعبي" مغيب تماما وهنا تكمن الفرصة، التي ينبغي على أنصار فلسطين استثمارها.

 تويتة واحدة باللغة الإنجليزية مع صورة من أحداث حي الشيخ جراح يعاد نشرها مئات الآلاف من المرات من قبل متضامين إنجليز، يصدقون الصورة ومايشاهدوه، ويكذبون إسرائيل، يجب أن نتعامل مع هذا التأييد وهذه الهبة كجزء من "حركة عالمية من أجل العدالة" حسب ما جاء في خطاب وزير الداخلية السابقة في حكومة الظل العمالية ديان أبوت.

أبوت لخصت المشهد في كلمتها في إحدى التظاهرات بأن " الفلسطينيين تصادر أراضيهم، وهم الآن يقتلون في منازلهم"، هذه بالضبط هي الرواية التي ينبغي على عرب بريطانيا وأنصارهم ترويجها والعمل عليها في الغرب: أن الفلسطينيين يقتلون وتصادر أراضيهم جراء نظام الفصل العنصري الذي تمثله دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذه معان بالغة الأهمية والدلالة والرمزية في المخيال الشعبي الغربي، ليكن النضال من أجل فلسطين هو جزء من حركة عالمية من أجل العدالة.

إن الحشود الكبيرة التي نزلت للشارع استجابة لدعوة المؤسسات الفلسطينية العاملة في بريطانيا وحملة التضامن مع الشعب الفلسطيني هي استفتاء شعبي على حجم التغير الذي حصل في بريطانيا،وهو تحول يلقي مزيدا من المسؤولية على العمل الفلسطيني في بريطانيا وأوروبا عموما، فكما وحدت فلسطين عرب المهجر في الشوارع في تظاهرات العدوان الأخير، ينبغي أن توحد جهودهم في العمل المنظم في مؤسسات التضامن مع الشعب الفلسطيني، والضغط على نواب مناطقهم وأعضاء بلدياتهم من أجل العدالة لفلسطين، نحتاج كذلك التوحد في الصوت الانتخابي العربي ليكون مؤثرا، ففي الديمقراطيات الغربية الكتل الانتخابية الوازنة هي التي تحدث فارقا، نحتاج كذلك الإجابة على أسئلة كثيرة عن سبب خلو البرلمان البريطاني من نواب عرب، وعن سبب تراجع فاعلية لجان أصدقاء فلسطين في الأحزاب البريطانية.

السابق مهرجان التراث الفلسطيني في عاصمة وعد بلفور!
التالي لأطبائنا العرب في بريطانيا تُرفَع القبعة