كريم إمام
"اعتقد المصريون القدماء أن الإنسان يموت مرتين؛ مرة بوفاته، والثانية بوفاة آخر شخص يذكر اسمه".. بهذه الجملة يستقبل معرض مقتنيات الملك توت عنخ آمون الزائرين، ليدلل على خلود الملك الذي يردد العالم بأسره اسمه حتى يومنا هذا ولعقود قادمة من الزمن، ليترك الزائر متلهفا لمشاهدة ما هو موجود بالداخل من تاريخ.
والواقع أن الداخل يسافر في رحلة معايشة لحدث اكتشاف مقبرة الفرعون الصغير، من خلال مجموعة بديعة من القطع الأثرية تضم مائة وخمسين قطعة، لتقدم فرصة نادرة للجمهور اللندني بغاليري ساتشيSaatchi gallery ، لزيارة الملك الذي يقوم بجولات عالمية قبل عودته إلى مصر، وتحديدا المتحف المصري الكبير المزمع افتتاحه خلال شهور.
فقد زار المعرض كلا من لوس أنجلوس في الولايات المتحدة الأميركية، ثم العاصمة الفرنسية باريس، وبعد انتهاء المعرض في لندن يوم 3 مايو الجاري، سيزور الفرعون الصغير سيدني في أستراليا لمدة 6 أشهر العام المقبل. ذلك، أن سحر الفراعنة في أعظم صوره يتجلى من خلال ما وجد في مقبرة الفرعون المصري توت عنخ آمون في العام 1922.
طابور الزوار، الذي يمتد من باب المعرض إلى الشارع لمشاهدة المعرض المنتج من قبل وزارة الآثار المصرية بالتعاون مع IMG وتقدمه Viking Cruises، يشي بأهميته، إذ وصفت تذكرته من قبل وسائل إعلام بأنها الأغلى في تاريخ المعارض ببريطانيا. وتستحق التجربة حقا الوقوف في الشارع انتظارا للدخول لمدة قد تطول، إنه سحر الفراعنة بلا شك.
ويضم المعرض مجموعة من مقتنيات الملك الشاب، الذي توفي وهو في التاسعة عشرة من عمره، موزعة على ست صالات عرض، ومرتبة بحسب مراحل الحياة ما بعد الموت كما اعتقدها المصريون، بدءا من شكل المقبرة، ثم التحنيط، والبعث، والانتقال إلى العالم الآخر، ثم الحياة في عالم الخلود.
يقول زوجان عجوزان، جاءا من مانشستر، لحضور المعرض كهدية للزوج في عيد ميلاده، إنه نوع من السحر رؤية هذه المقتنيات الخاصة بعنخ آمون، ينقلك مباشرة لأسئلة حول الحضارة المصرية القديمة والتكنولوجيا التي وصلت إليها. وتقول الزوجة: "ضيعت فرصة حضور معرض مماثل عندما كنت في السادسة عشرة من عمري، سنوات الخمسينيات"، مشيرة إلى أنهما قررا الحضور بعد رؤية إعلان المعرض في التلفاز.
تتنوع المعروضات ما بين الأدوات الشخصية للفرعون، مثل حافظة قلمه، وعكازاته (وجد منها ١٥٠ في مقبرته)، وسريره، وكرسيه عندما كان طفلا، وأدوات الصيد الخاصة به، وأبواق موسيقية من الفضة وأخرى من البرونز تم استخدامها مرات عدة خلال القرن الماضي، وأعقب ذلك العديد من الكوارث -بحسب المعلومات المقدمة بالمعرض- فبعد نفخه العام 1939 بعدة أشهر، دخلت بريطانيا الحرب العالمية الثانية. ولاحقا، في العام 1967، اندلعت الحرب بين مصر وإسرائيل. وعندما نُفخ فيه مجددا العام 1990، اندلعت حرب الخليج الثانية. وكانت المرة الأخيرة عام 2011 قبل أسبوعين من اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني في مصر. ولن يُسمع صوته مجددا بسبب ضعف حالته.
ويقدم المعرض عددا من الفيديوهات التي تعرف الزائر بتفاصيل اكتشاف المقبرة على يد عالم المصريات البريطاني هاورد كارتر، بعد أن قام حسين عبدالرسول؛ وهو السقا الذي يجلب المياه لفريق الحفر لاكتشاف المقبرة، في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1922، وأثناء محاولته الحفر في الرمال لتثبيت أواني المياه، كشف بالصدفة عن أول درجة في السلالم المؤدية إلى داخل المقبرة. واستكمالا للمعروضات والمعلومات المتاحة عنها، خصص الدور العلوي الأخير لتجربة الواقع الافتراضي التي تأخذك لداخل المقبرة وغرفها المختلفة، وما وجد في كل ركن بها.
وهنا تقول شابتان من إيطاليا وإسباني لـ"عرب لندن"، إن المعرض مخيب للآمال، وتشرحان:"إذ توقعنا أن نشاهد الكرسي والمومياوات الأربعة، كما أننا لم نعجب بالموسيقى في خلفية غرف العرض والفيديوهات المصاحبة، لكنه في النهاية معرض جيد قررنا حضوره بعد مشاهدة إعلانه في محطة مترو الأنفاق".
وعبرت الشابتان من إيطاليا وإسبانيا، في تصريحهما، عن أملهما في الذهاب إلى مصر يوما ما، لمشاهدة كل هذه الآثار، في حين قالت امرأة في نهاية العقد السابع إنها استمتعت بهذه التجربة الآسرة في كافة جوانبها.
يذكر أن المعرض الذي يجوب العالم حقق نجاحًا كبيرًا غير مسبوق فى فرنسا، بعد أن زاره 1,423,170 زائر خلال ستة أشهر من مارس حتى سبتمبر 2019 بقاعة غراند هال دو لا ڤيليت بباريس.