عرب لندن
هناك ما يشبه المسلمة لدى دارسي أدب الرحلة عبر العالم، مفادها أن المغاربة أهل اختصاص من الطراز الرفيع. ولعل الرحلة الأشهر في العالم هي تلك التي أنجزها محمد بن عبد الله بن محمد اللواتي الطنجي، الشهير بابن بطوطة، بداية من مدينة طنجة ليجوب العالم في ما يزيد عن عشرين سنة، وخلدها في كتاب "تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار". ولكنها ليست الوحيدة، ولا الأكثر فرادة.
وها هي وثيقة تاريخية جديدة تكشف عن هوية أول مسلم يهاجر إلى الولايات المتحدة، وكان ذلك في القرن السابع عشر الميلادي، وتؤكد أن المعني بالأمر من أم مغربية واب هولندي.
الوثيقة اشترتها "جمعية التاريخ" في بروكلين (إحدى المناطق الخمسة المكونة لنيويورك) بـ27 ألفا و500 دولار، خلال مزاد علني جرى تنظيمه مؤخرا في "دار كريستيز" للمزادات. وهي عبارة عن عقد ملكية عقارية يرجع تاريخها للقرن السابع عشر الميلادي، وتحتوي على معلومات عن شخص يدعى "أنتوني يانسن فان سالي"، والذي كان معروفا باسم "أنتوني التركي".
وقالت جولي غوليه، نائب رئيس شؤون التنظيم ومجموعات المقتنيات في الجمعية، إن أنتوني كان أول مسلم هاجر إلى الولايات المتحدة؛ إذ وصل إلى نيويورك عام 1630، موضحة أن اسمه كان يرد في سجلات المحكمة باسم "أنتوني التركي"؛ نظرا لأن الغربيين في هذا الوقت كانوا يطلقون لقب "الترك" على جميع المسلمين، مشيرة إلى أن أنتوني ذاع صيته في نيويورك؛ إذ بات واحدا من أكبر ملاكي الأراضي في منطقة مانهاتن.
وقالت غوليه إن الشخص الذي باع وثيقة الملكيَّة العقارية، طلب من "دار كريستيز" عدم الكشف عن اسمه، لافتة إلى أن جمعية التاريخ في بروكلين تمتلك مجموعة كبيرة من وثائق الملكية العقارية التي ترجع للقرن السابع عشر. وأضافت: "نحن نعلم أن أول المسلمين الذين جاؤوا إلى نيويورك جرى إحضارهم على الأرجح من إفريقيا عن طريق تجارة الرقيق، لكن سند الملكية العقارية هذا، الذي يعود لعام 1643، هو أول دليل عن أن مالك أراضي مسلم وحر، عاش في البلاد خلال ذلك العصر". وتابعت: "لسنا متأكدين من مدى أهمية الإسلام وتأثيره في حياة أنتوني، لكن لابد من الإشارة إلى أن الأخير كان يمتلك مصحفا جرى بيعه في أحد المزادات العلنية أوائل القرن العشرين". وذكرت أن اسم أنتوني، غالبا ما يرد ذكره في الوثائق التاريخية الموجودة في "معهد هولندا الجديدة"، والمتعلقة بسكان نيويورك، التي كانت مستعمرة هولندية في ذلك الوقت تعرف باسم "نيو أمستردام".
وحول حياة أنتوني، قالت غوليه إنه ولد لأب هولندي مسلم اسمه يان يانسن، وبات يعرف بعد إسلامه باسم مراد رئيس (قبطان)، وأم مغربية، مشيرة إلى أن أنتونيأخذ لقبه "فان سالي" من مدينة سلا المغربية، التي ولد وترعرع بها، قبل أن يتحول بعد هجرته إلى الولايات المتحدة، إلى واحد من أكبر ملاكي الأراضي في مانهاتن.
أنتوني عاش في العاصمة الهولندية أمستردام، فترة من الوقت عندما كان في أوائل العشرينات من عمره؛ حسب غوليه، وفيها تزوج من امرأة من أصول ألمانية تدعى "غريتسي رينيرس"، وهاجر إلى الولايات المتحدة عن طريق شركة الهند الهولندية، التي كانت تنقل المستعمرين إلى أمريكا.
وتابعت: "جاء أنتوني إلى نيويورك، التي كانت تعرف آنذاك باسم نيو أمستردام، مع زوجته الشابة، كأحد المستوطنين الأوائل عام 1630، للاستفادة من الفرص الاقتصادية للعالم الجديد، وتحمل مخاطر الهجرة ربما بسبب قدرته ومهارته في ريادة الأعمال والتجارة". وبعد وصوله بفترة وجيزة، اشترى مزرعته الأولى شمال حي "وول ستريت" حاليا، وأصبح مع الوقت أحد كبار ملاك الأراضي في نيويورك.
وحسب غوليه دائما، فإن حياة أنتوني الجديدة في نيويورك مفروشة بالورود دائما، إذ تؤكد الوثائق الموجودة في "معهد هولندا الجديدة" أنه واجه أنتوني صعوبات مع الجهات الرسمية في "نيو أمستردام"؛ بسبب شخصيته الاستثنائية. واستطردت غوليه: "عاش أنتوني التركي شمال نيو أمستردام، بعد أن حصل من العمدة على مساحة كبيرة من الأرض تبلغ 81 فدانا مقابل خروجه من المدينة.
وولد لأنتوني أربع بنات، تزوجن كلهن من تجار هولنديين أثرياء وأقاموا في نيو أمستردام، وكان من أحفاد أنتوني أسماء بارزة في عالم الأعمال بالولايات المتحدة، أبرزهم رجل الأعمال والملياردير كورنليوس فاندربلت (1794 - 1877)، الذي كان يعرف بلقب "عميد البحار"، وبلغت قيمة ثروته وقتها 167.4 مليار دولار.
غوليه تؤكد، في الأخير، أن هذه الشخصية الفريدة خلقت تأثيرا كبيرا لا يمحى في تاريخ نيويورك والمسلمين في هذه المدينة، لا سيما في فترة مثل القرن السابع عشر الميلادي؛ حيث لم تكن الولايات المتحدة تمتلك مجتمعا متنوعا في الثقافات والديانات كالذي تمتلكه في الوقت الراهن.