مسلمو بريطانيا.. عام حافل بالإنجازات يحبطها المتطرفون
جاد محمد
تلتقي في بريطانيا أطراف معادلة من الصعب العثور عليها في بلد آخر٬ قوامها بلد يقدم نموذجا في احترام التنوع والتعدد الديني والإثني٬ وأقليات تندمج وتساهم في الحياة العامة للبلاد٬ ومن هذه الأقليات هناك المسلمون٬ الذين لا يخلقون الحدث خلال الأسابيع القليلة الماضية٬ بين التتويج٬ والبطولة٬ وأحداث إرهابية تعود بهم خطوة للوراء.
سيدة القطار
وما كاد المسلمون يمنون النفس بتقديم أفضل صورة عن جاليتهم٬ بعد واقعة القطار في لندن٬ التي كانت بطلتها سيدة مسلمة دافعت وبقوة عن أسرة يهودية تعرضت لهجوم عنصري٬ حتى عاد الخوف ليساور جزءا معتبرا منهم٬ وهو يتابعون حادثة الطعن التي شهدتها منطقة لندن بريج٬ وزاد الخوف بعد أن عرفت هوية المنفذ٬ وخلفيته وانتماءه لتنظيم متطرف.
ويرى كثيرون أن وضع الجالية المسلمة في بريطانيا أفضل من دول غربية أخرى هناك حيث المسلم مدان حتى تثبت براءته٬ فالمجتمع البريطاني ولحد الآن يحافظ على مناعة ضد الاجترار نحو الخطابات العنصرية التي تحمل المسلمين مسؤولية أحداث إرهابية ينفذها شباب مسلم٬ ومع ذلك فالظروف الحالية الموسومة بحملة انتخابية غير مسبوقة٬ وتزايد المد الشعبوي٬ تجعل من استغلال كل الظروف للظفر بالمقاعد البرلمانية٬ واستعمال أي مادة دسمة تدغدغ شعور الناخبين.
وبتتبع "عرب لندن" لمختلف المواقف السياسية الصادرة بعض الهجوم٬ ظهر أن جل السياسيين لم يحاولوا الاقتراب من التهجم على المسلمين بسبب هذا الهجوم٬ بل تقاذفوا المسؤولية فيم بينهم٬ لدرجة أن زعيم المعارضة جيرمي كوربن٬ اعتبر أنه من أسباب التطرف في البلاد هو السياسة العسكرية لبلاده وتدخلها في عدد من الدول الإسلامية.
في المقابل يحافظ المسلمون على روح إيجابية من خلال التعامل بمنطق المواطنة لا منطق الانتماء الديني٬ وهم يدينون بأشد العبارات ما حدث من هجمات إرهابية٬ بدون شعور بأنهم في حاجة للدفاع عن أنفسهم٬ شعور ولده ما حققه المسلمون هذه السنة من إنجازات٬ أبهرت المتابعين الإعلاميين والسياسيين والفاعلين المدنيين.
ومن أهم الإنجازات التي حققتها الجاليات المسلمة هذه السنة هو نجاح خمس مدارسة إسلامية في اعتلاء التصنيف كأفضل المدارس في المملكة المتحدة٬ وذلك في إنجاز تاريخي غير مسبوق٬ أذهل كثيرين الذين كانوا يحملون الكثير من الصور النمطية عن المدارس الإسلامية في بريطانيا.
وفي نفس السنة أيضا ظهر "سيدة القطار الشجاعة" التي احتفى بها الإعلام البريطاني واعتبر أنها قدمت درسا في الإنسانية وهي السيدة المحجبة٬ وفي لقاءها الحصري مع مجلة "عرب لندن"، أكدت أن دوافعها كانت إنسانية محضة بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي٬ وكشفت في ذات الحوار كيف تفاعل معها الإعلام البريطاني الذي اتفق على وصفها بالبطلة٬ والشجاعة٬ ما قدم صورة مشرقة عن المرأة المسلمة في المملكة المتحدة.
ألطف سائق في بريطانيا مسلم
وخلال هذه السنة أيضا٬ أطل على البريطانيين وجه لرجل ملتح مسلم٬ تم اختياره من طرف هيئة المواصلات البريطانية كأكثر سائق الحافلات لطفا بعد أن رصدته عدسات الكاميرات وهو يتعامل مع الركاب بكل لطف٬ فتم منحه لقب السائق الأكثر لطفا في لندن٬ ليظهر أنه مسلم مقيم في بريطانيا منذ عقود وله أصول مغربية.
وما هي إلا أيام حتى جاء الاعتداء بالطعن٬ الذي تورط فيه شاب مسلم يحمل أفكارا متطرفة وسبق وأدين بسبب هذه الأفكار٬ ومع ذلك فالنقاش العام في بريطانيا لم ينزح عن مناقشة أصل المشكل نحو إدانة ظالمة لكل المسلمين٬ بل انصب النقاش على ضرورة تشديد العقوبة على المدانين بالتطرف ومراجعة سياسة البلاد فيم يتعلق بالقضايا الخارجية.
ويحرص المسلمون دائما على إظهار وجه الراغب في المساهمة في رقي البلاد لا خرابها٬ كما حدث قبل عامين عندما اندلع الحريق المهول في برج "كرين فيل"٬ حينها أقرت وسائل الإعلام ومعها السلطات بأن الكثير من الفضل يعود للجالية المسلمة المقيمة هناك والتي ساعدت في إجلاء الضحايا وإنقاذ آخرين من موت محقق٬ وأظهرت تآزرا كبيرا مع الضحايا.
الإمام الشجاع
وفي نفس السنة أيضا سيظهر إمام مركز "فينزبري بارك" موقفا إنسانيا٬ حاز بسببه لقب "بطل السنة"٬ ذلك أن الإمام قام بحماية المتطرف الذين اعتدى على المصلين وحاول دهسهم٬ وقام الإمام بتأمين المعتدي وتسليمه للشرطة إيمان منه بأن العنف لا يولد سوى العنف وبأن القانون له مؤسساته وتطبيق العدالة لها مساراتها الخاصة٬ موقف حاز إعجاب المؤسسة المالكة التي منحته أرفع وساما لقاء لشجاعته وموقفه التاريخي الذي لم يرد صب المزيد من الزيت على نار الغضب.
ويدخل المسلمون أيضا الانتخابات التي تعرفها البلاد٬ وهم أكثر انخراطا بعد أن أظهرت الدراسات أن الصوت المسلم سيكون حاسما في عشرات المقاعد٬ ما يجعل منهم كتلة مهمة في رسم بعض ملامح المعادلة السياسية في البلد.
استخدم برنامج منسق جافا سكريبت متصفحا مجانيا لتنسيق النصوص البرمجية من جانب العميل لتحسين شفرتك!