محمد أمين
تنشغل الساحة السياسية البريطانية بالانتخابات المقررة في الثاني عشر من ديسمبر القادم، وتعكف الأحزاب السياسية على التحضير لتلك الانتخابات التاريخية كما توصف، فهي الأولى منذ عام 1923 التي تجري في ديسمبر، إذ عادة ما تجري الانتخابات في الربيع، وهي انتخابات حاسمة في مستقبل المملكة المتحدة وعلاقتها مع الاتحاد الأوروبي، كما تأتي عقب ثلاث سنوات من التيه السياسي عقب تعثر "بريكست" وما صحب ذلك من صراع وانقسام سياسي وحزبي ومجتمعي.
والسؤال المهم هو أين عرب بريطانيا من هذه الانتخابات، وما أهميتها بالنسبة لهم، وتأثيرها على مستقبلهم في هذه البلاد؟.
انتخابات ديسمبر الحاسمة هي انتخابات نتائجها بالغة الأهمية على العرب، و ذات ثلاثة أبعاد خطيرة على مستقبلهم في المملكة المتحدة: كمواطنين، وعلى بلدانهم الأصلية، و كذلك على مستقبل أبنائهم من الجيل الثالث والرابع.
ففي المستوى الأول فإن فوز حزب المحافظين الحاكم مرة أخرى وهذه المرة بقيادة بوريس جونسون سيعني مزيدا من التقشف وسياسات خفض الانفاق ، والتي تنعكس بالدرجة الأولى على مستوى معيشتهم حالهم حال باقي مواطني المملكة المتحدة، في ظل عشر سنوات عجاف بدأها المحافظون ببرنامج تقشف منذ العام 2010 وحتى اليوم تراجعت فيها الخدمات، وطالت فيها ساعات الانتظار في المستشفيات.
أما البعد الثاني من تأثير تلك الانتخابات على عرب بريطانيا فيرتبط ببلدانهم الأصلية، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تحت حكم حزب المحافظين، سيعنى أنها ستجنح أكثر نحو التماهي مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، والتغريد بعيدا عن سياسات الاتحاد الأوروبي المعتدلة، خاصة فيما يتعلق في الموقف من القضية الفلسطينية، حيث يميل حزب المحافظين كما هو معروف عنه إلى تمتين العلاقة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، واعتبارها حليفا وصديقيا، ويواصل تصدير السلاح لها، على خلاف العماليين الذين يدعون إلى الضغط عليها من أجل الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة.
أما البعد الثالث فيكمن في تأثير الانتخابات بشكل أو بآخر مستقبل الجالية العربية، فإن صعود الأحزاب المحافظة واليمينية بشكل عام يشكل تحديا جراء مواقف تلك القوى من المهاجرين عموما والعرب والمسلمين خصوصا، والمخاوف من زيادة العنصرية والكراهية، المصحوبة بهجمة صهيونية تعمل على تشويه صورة العرب، بالمقابل فإن خطاب حزب العمال المعارض وحزب الليبراليين الأحرار هو خطاب منفتح على المهاجرين، عقلاني، ومتزن، كما أن خبرتنا مع حزب العمال تؤكد أنه الحزب الذي أوفى بعهده فيما يتعلق على سبيل المثال في الموقف من القضية الفلسطينية،فقد قاد الحزب حملة لاعتراف المملكة المتحدة بالدولة الفلسطينية، وهو الحزب الذي يتعرض زعيمه لأبشع وأشرس حملة ممنهجة لتشويه صورته ، ووسمه بمعاداة السامية فقط لأنه مناصر للقضية الفلسطينية.
لجملة الأسباب أعلاه وغيرها، فإن المشاركة السياسية لعرب بريطانيا بالغة الأهمية من حيث المبدأ، وهنا لا أحاول اكراه العرب على التصويت لحزب معين فهذه في المحصلة حرية شخصية، لكني أشير إلى أن المشاركة ضرورية في التصويت، فمن قرر التصويت لحزب المحافظين فهذا خيار ينبغي احترامه، وهو بشكل أو بآخر سيعني حضورا عربيا في الحزب وربما تأثيرا على قراراته وترشيدها لصالح سياسات أقل عدائية لقضايانا، ومن يصوت لحزب العمال فهو يدفع بتقديري باتجاه دعم صديق العرب والفلسطينيين جيرمي كوربن، كما يصوت للخطاب الأكثر انفتاحا على الآخر والأكثر ليبرالية، لكن الأمر الوحيد المرفوض هو الجلوس كمتفرج، فهذه بتقديري سلبية لا يمكن فهمها ولا تبريرها.
على العرب أن يتوحدوا وأن يقبلوا على المشاركة في الانتخابات البريطانية بقوة وبصيرة وعزم، فنحن مواطنون بريطانيون وينبغي أن نمارس حقنا الانتخابي في التصويت، وابداء الرأي ، وأن يكون لنا صوت وكلمة، وهذا أبدع ما نتمتع به في المملكة المتحدة وعموم أوروبا، الحرية والحق في المشاركة في اختيار حكومتنا ومن سيقود دولنا، بل هو واجب وطني وأخلاقي وأساسي في تقرير مصيرنا كمواطنين في هذه القارة.