عرب لندن

أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن حكومته بصدد تنفيذ إصلاح جذري لنظام الهجرة في المملكة المتحدة، عبر كتاب أبيض وصفه بأنه "قطيعة واضحة مع الماضي"، يهدف إلى خفض أعداد المهاجرين وتنظيم دخولهم بشكل أكثر صرامة وانتقائية.

وبحسب ما ذكر موقع صحيفة "الغارديان" The Guardian، صرّح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في خطاب ألقاه يوم الإثنين قبيل إصدار الكتاب الأبيض، أن النظام الحالي للهجرة "يهدد بتحويل بريطانيا إلى جزيرة للغرباء". وأكد أن "الاستقرار في البلاد امتياز يُكتسب وليس حقًا يُمنح"، مشددًا على أهمية الاندماج وتعلم اللغة الإنجليزية لأي شخص يرغب في الإقامة.

وتضمن الكتاب الأبيض حزمة إجراءات جديدة أبرزها: تقييد تأشيرات العاملين في مجال الرعاية، ورفع متطلبات اللغة الإنجليزية للمهاجرين، إلى جانب تقليص المدة المسموحة لخريجي الجامعات الأجانب بالبقاء بعد التخرج من عامين إلى 18 شهرًا فقط.

وصرّحت وزيرة الداخلية، إيفيت كوبر، أن الحكومة ستغلق باب التقديم على تأشيرات الرعاية الصحية من الخارج، مع فترة انتقالية حتى عام 2028 لتمديد التأشيرات الحالية، مبررة ذلك بالسعي لتركيز الهجرة على أصحاب المهارات العالية وتدريب الكوادر المحلية.

لكن هذه الخطوة أثارت انتقادات من قطاع الرعاية، إذ وصفها البروفيسور مارتن غرين، رئيس مؤسسة "كير إنغلاند"، بأنها "قاسية وقصيرة النظر"، معتبرًا أن التوظيف الدولي كان بمثابة "طوق نجاة" لقطاع يعاني نقصًا حادًا في العمالة.

ومن ضمن الإجراءات الأخرى، تعتزم الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور المطلوبة للحصول على تأشيرات العمالة الماهرة، وتقليص قائمة المهن المؤهلة إلى نحو 180 مهنة فقط، فيما لم يُحدد بعد الحد الجديد للرواتب، بانتظار توصيات اللجنة الاستشارية للهجرة.

وفيما يخص التأشيرات الطلابية، سيتم تقليص مدة البقاء الممنوحة للخريجين الأجانب من عامين إلى 18 شهرًا، وسط مخاوف من استغلال البعض لنظام اللجوء بعد انتهاء تأشيراتهم. وأشار الكتاب الأبيض إلى أن نحو 47% من طلبات اللجوء المقدمة من حملة تأشيرات سابقة كانت لطلاب، مما يثير شبهات حول نوايا الإقامة الدائمة بطرق غير قانونية.

أما بالنسبة للمجرمين الأجانب، فتسعى الحكومة إلى تسريع ترحيلهم من خلال تعديل القوانين لإلزام وزارة الداخلية بتلقي إخطارات بكافة الإدانات الجنائية، حتى تلك التي لا تتضمن أحكامًا بالسجن. كما سيتم منح صلاحيات جديدة تُسهّل ترحيل المهاجرين الذين ارتكبوا جرائم في بلدان أخرى أو في المملكة المتحدة.

وتشمل الإجراءات كذلك مراجعة الحسابات البنكية لمقدمي طلبات التأشيرة للتحقق من ادعاءات الحاجة إلى دعم حكومي، إلى جانب دراسة إمكانية تقييد حصول المجرمين على تأشيرات قصيرة الأجل ومنعهم من التقديم مستقبلاً.

ووفقًا لما أوردته الصحف البريطانية، تأتي هذه الخطوات في ظل تصاعد الضغوط السياسية على حكومة العمال، خاصة بعد الأداء القوي لحزب الإصلاح بقيادة نايجل فاراج في الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث حقق مكاسب بأكثر من 600 مقعد في المجالس المحلية.

وانتقد حزب المحافظين الإصلاحات، معتبرًا أن حزب العمال "يتبنى سياسات محافظة بشكل متأخر"، فيما دعا حزب الإصلاح إلى اتخاذ تدابير أكثر صرامة، بينها إلغاء قانون حقوق الإنسان في قضايا الهجرة ووضع سقف ملزم للأعداد.

وبحسب البيانات الحكومية، انخفضت الهجرة الصافية من 906 آلاف عام 2023 إلى 728 ألفًا العام الماضي. كما شهد عدد طلبات تأشيرات الرعاية الصحية انخفاضًا بنسبة 81% بين أبريل 2024 ويناير 2025 مقارنة بالفترة نفسها في العام السابق، فيما تراجع عدد طلبات التأشيرات التابعة للطلاب بنسبة 87%.

وأكدت كوبر أن حزمة التغييرات هذه، بما في ذلك تشديد تأشيرات الخريجين والعمال ذوي المهارات المحدودة، ستؤدي إلى تقليص محتمل يصل إلى 50 ألف تأشيرة هذا العام وحده.

وفي خطوة تهدف إلى دعم التعليم العالي، تدرس الحكومة فرض ضريبة على الرسوم التي تتلقاها الجامعات من الطلاب الأجانب، لإعادة استثمارها في قطاع المهارات والتعليم العالي، مع وعد بتقديم تفاصيل إضافية في ميزانية الخريف المقبلة.

ويأتي هذا التوجه في وقت يشهد فيه القطاع التعليمي نقاشًا متزايدًا حول مدى اعتماد الجامعات البريطانية على الطلاب الدوليين كمصدر دخل أساسي.

وبهذا الإصلاح الشامل، تسعى حكومة حزب العمال إلى إعادة هيكلة نظام الهجرة البريطاني على أسس أكثر صرامة وانتقائية، في محاولة لضبط الأعداد والاستجابة للضغوط السياسية والشعبية، مع الحفاظ على التوازن بين متطلبات الاقتصاد وضرورات السيادة الوطنية.

السابق وفاة مهاجر وإنقاذ 192 آخرين من الغرق خلال محاولات عبور القناة الإنجليزية
التالي متاجر بريطانيا تشهد ارتفاعًا "ضخمًا" في سرقات كبار السن للسلع بسبب غلاء المعيشة