عرب لندن
حذرت دراسة جديدة من التأثيرات السلبية لخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي على مرضى السرطان في البلاد، مؤكدة أنهم يواجهون حرمانًا من الأدوية المنقذة للحياة وتعطيلًا في تجارب العلاجات الثورية بسبب البيروقراطية والتكاليف المتزايدة المرتبطة بالانفصال عن الاتحاد الأوروبي.
يشهد عدد المصابين بالسرطان في المملكة المتحدة تزايدًا ملحوظًا بسبب شيخوخة السكان وتحسين أساليب التشخيص، ما يجعل التعاون الدولي أمرًا بالغ الأهمية لتطوير أدوية جديدة. ومع ذلك، بعد خمس سنوات من الخروج، أظهرت دراسة تحليلية شاملة أن المملكة المتحدة تأثرت سلبًا، بينما استفادت دول الاتحاد الأوروبي من طفرة في الأبحاث والعلاجات الجديدة.
وفقًا للتقرير المكون من 54 صفحة، والذي حصلت عليه صحيفة “الغارديان” The Guardian، أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى "إضعاف القدرة العملية" للأطباء في المملكة المتحدة على تقديم أدوية جديدة منقذة للحياة لمرضى السرطان من خلال التجارب السريرية الدولية. ففي بعض الحالات، تضاعفت تكلفة استيراد أدوية السرطان الجديدة إلى المملكة المتحدة أربع مرات تقريبًا، بينما ارتفعت تكاليف الشحن إلى عشرة أضعاف.
وأشار التقرير إلى أن القواعد الجديدة والتكاليف الإضافية كان لها "تأثير سلبي كبير" على أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، مما شكل "عوائق جديدة" أمام إجراء الأبحاث التي قد تنقذ حياة المرضى. وفي بعض الحالات، كان التأثير كارثيًا، حيث أفاد كبار الأطباء لصحيفة الغارديان بأن الأطفال المصابين بالسرطان في هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) يعانون من تراجع فاعلية العلاجات، مما يتركهم في حالة من عدم اليقين، ويمنعهم من الوصول إلى أدوية قد تطيل أو تنقذ حياتهم.
وفي ضوء هذه التحديات، يقوم مسؤولون في مكتب مجلس الوزراء ووزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا بمراجعة نتائج التقرير، الذي استند إلى شهادات من أطباء وعلماء مرموقين، بالتعاون مع مركز أبحاث السرطان في المملكة المتحدة، وجامعة ساوثهامبتون، ومؤسسة "هاتش" الاستشارية للأبحاث.
وأصدرت الحكومة بيانًا أكدت فيه أهمية التجارب السريرية في تحسين العلاجات المتاحة لملايين المرضى البريطانيين الذين يعانون من أمراض مزمنة، بما في ذلك مرضى السرطان الذين لم تفِ العلاجات التقليدية بمتطلباتهم. وأشار المتحدث باسم الحكومة إلى التزام الحكومة بتعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي في مجال الأبحاث ودعم الباحثين البريطانيين في تأمين التمويل.
ووفقًا للتقرير، تأثرت ثلاث مجالات رئيسية في أبحاث السرطان في المملكة المتحدة جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي: البيئة التنظيمية للتجارب السريرية، حرية تنقل القوى العاملة في أبحاث السرطان، والوصول إلى تمويل الأبحاث. وأصبح من الصعب على المملكة المتحدة جذب "المواهب العالمية" في أبحاث السرطان، حيث فقدت الفرصة لاستقطاب كبار علماء السرطان في العالم.
كما يكشف التقرير عن مشكلة أخرى، وهي أن المملكة المتحدة تُجري اختبارات مكررة للأدوية في التجارب السريرية التي تشمل كلا من المملكة المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، ما يؤدي إلى تأخيرات قد تسهم في وفيات. في إحدى الحالات، اضطر المسؤولون البريطانيون إلى إنفاق 22,000 جنيه إسترليني إضافية لإصدار شهادات لأدوية "الأسبرين" لاستخدامها في تجربة علاج السرطان، رغم أنها تم فحصها بالفعل في الاتحاد الأوروبي.
وأشار التقرير أيضًا إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أثر سلبًا على أبحاث السرطان في أوروبا، حيث أن استبعاد الباحثين البريطانيين من الأنشطة البحثية الأوروبية سيظل له "عواقب سلبية على جهود أبحاث السرطان الأوروبية بشكل عام".
من جانبه، أضاف الدكتور مارتن ماكي، أستاذ الصحة العامة الأوروبية في كلية لندن للصحة والطب الاستوائي: "لقد حذرنا مرارًا وتكرارًا من هذه المخاوف. هذه النتائج لم تكن متوقعة فقط، بل كانت حتمية".
بدوره، قال مارك ديان، رئيس برنامج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في مؤسسة "نوفيلد ترست": "إن التقرير يسلط الضوء على أمثلة ملموسة على الاضطرابات التي حذرنا منها منذ البداية، والتي كانت حتمية في ظل عملية الخروج الصعبة نسبيًا على الصحة والبحث".
ومع قرب تجديد اتفاقية التجارة والتعاون بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، من المتوقع أن تتم مناقشة إعادة هيكلة العلاقات بين الطرفين في هذا المجال. ويحث الخبراء السياسيين على التفاوض من أجل "اتفاقية جديدة لحماية الصحة"، تهدف إلى تقليل الإجراءات البيروقراطية المتعلقة باختبار الأدوية وتقديم ضمانات للتعاون المستقبلي.
وفي الختام، أوصى التقرير بضرورة إبرام اتفاقية اعتراف متبادل لاختبار الأدوية، بهدف تقليل التكاليف التي يواجهها الباحثون في التجارب العابرة للحدود، مما يساعد على تسريع الوصول إلى العلاجات المنقذة للحياة في المستقبل.
في الوقت نفسه، أكدت الحكومة البريطانية التزامها بتعزيز علاقتها مع الاتحاد الأوروبي في مجال الأبحاث، مشيرة إلى دعمها المستمر للباحثين البريطانيين لتأمين التمويل من برنامج "أفق أوروبا" البالغ 80 مليار جنيه إسترليني، بهدف تسريع الوصول إلى العلاجات الحيوية.