امرأة تموت كل دقيقتين.. العالم يتراجع في حماية الأمهات ومنظمة الصحة العالمية تُحذّر
عرب لندن
تموت امرأة كل دقيقتين بسبب قصور في رعاية الأمومة، بحسب أرقام جديدة صادمة كشفت عنها منظمة الصحة العالمية، ما دفع إلى تحذيرات قوية من تأثير تخفيضات التمويل التي أقرتها كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على حياة النساء، خصوصًا في الدول النامية.
ووفقًا لتقرير حديث صادر عن المنظمة، فقد سُجلت أكثر من 260 ألف حالة وفاة بين الأمهات خلال عام 2023، بمعدل 712 امرأة يوميًا، أو 30 امرأة في الساعة، مع تركز الغالبية العظمى من هذه الوفيات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وأكد التقرير أن التقدم نحو تحقيق الهدف العالمي بخفض معدل وفيات الأمهات إلى 71 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية بحلول عام 2030 "تباطأ بشكل كبير"، محذرًا من أن العالم يسير في اتجاه تسجيل ضعف هذا العدد تقريبًا.
وبحسب ما أفادت به صحيفة "الإندبندنت" Independent، بلغ المعدل العالمي لوفيات الأمهات 197 حالة وفاة لكل 100 ألف ولادة حية، ما يُمثل تحسنًا بنسبة 40% مقارنة بعام 2000، لكنه لا يزال بعيدًا عن تحقيق الهدف المنشود. وما تزال معدلات الوفيات في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء مرتفعة، دون أن تشهد الانخفاض المطلوب. أما أمريكا الشمالية، فهي المنطقة الوحيدة التي سجّلت ارتفاعًا في معدل وفيات الأمهات خلال القرن الحالي.
وحذرت منظمة الصحة العالمية وعدد من المنظمات الصحية الدولية من أن التخفيضات الجذرية الأخيرة في برامج المساعدات، ومنها أكثر من 595 مليون جنيه إسترليني خُصصت لصحة الأم وتنظيم الأسرة من الولايات المتحدة وحدها، تُنذر بإجهاض التقدم المحرز في هذا الملف الحساس. وأوضح الدكتور بروس أيلوارد، مساعد المدير العام للتغطية الصحية الشاملة في المنظمة، أن هذه التخفيضات "لا تهدد التقدم فحسب، بل قد تؤدي إلى انتكاسات حقيقية"، مضيفًا أن آثارها بدأت تظهر بالفعل في نقص الأدوية والإمدادات المنقذة للحياة، وتسريح العاملين الصحيين أو الحد من توظيفهم.
هذا وتعتمد نحو 60 دولة حول العالم على برامج التمويل الدولية لرعاية الأمومة وتنظيم الأسرة، ويتركز الدعم في مناطق حيوية مثل أفريقيا وجنوب آسيا. وتشير تقارير ميدانية إلى أن عقود القابلات التي تموّلها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية أُلغيت في عدد من المناطق، ما حرم النساء من الرعاية الآمنة أثناء الحمل والولادة.
ولم تقتصر التخفيضات على الجانب الأمريكي، إذ أعلنت الحكومة البريطانية مؤخرًا تقليص إنفاقها على المساعدات من 0.5% إلى 0.3% من الناتج القومي بحلول 2027، أي ما يعادل خفضًا بنحو 6 مليارات جنيه إسترليني. هذا القرار أثار موجة من الانتقادات، حيث حذرت لجنة التنمية الدولية من تأثير "مدمر" على النساء والفتيات، مؤكدة أن الفتيات في السودان على سبيل المثال أكثر عرضة للوفاة أثناء الحمل من إكمال تعليمهن.
وصرحت النائبة العمالية سارة تشامبيون، رئيسة اللجنة، بأن "الوقاية من وفيات الأمهات ليست لغزًا طبيًا، بل تتطلب التزامًا سياسيًا واستثمارات كافية"، مشيرة إلى أن ضعف الأنظمة الصحية والأزمات الإنسانية والمناخية المستمرة ساهمت في تعميق الفجوة الصحية عالميًا.
وتُعد نيجيريا والهند وجمهورية الكونغو الديمقراطية وباكستان من بين أكثر الدول تسجيلًا لوفيات الأمهات، إذ وقعت نصف الوفيات في هذه البلدان وحدها. وسجّلت نيجيريا، على سبيل المثال، نحو 75 ألف حالة وفاة خلال عام 2023، أي ما يعادل وفاة واحدة من كل ثلاث حالات مسجلة عالميًا.
وحذر صندوق الأمم المتحدة للسكان من أن التخفيضات الأمريكية تهدد بارتفاع معدل وفيات الأمهات، حيث خسر الصندوق وحده نحو 291 مليون جنيه إسترليني من التمويل بعد تقليص دعم الوكالة الأمريكية. وصرّحت جوليا بونتينغ، مديرة البرامج في الصندوق، بأن "التقدم في خفض وفيات الأمهات بطيء وغير متكافئ"، مؤكدة أن الأرواح يمكن إنقاذها من خلال رعاية جيدة والتزام سياسي وتمويل مناسب.
من جهتها، أوضحت مونيكا فيرو، مديرة مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في لندن، أن المملكة المتحدة – رغم كونها ثاني أكبر مانح للصندوق – لم تُقدم على تقليص تمويلها حتى الآن، لكنها حذّرت من أن مزيج التخفيضات والتغير المناخي وتصاعد النزاعات يعقّد وصول النساء إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية، ويرفع من نسب العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وأكد متحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية التزام بلاده بدعم الحقوق والصحة الإنجابية للنساء، مشيرًا إلى أن خفض المساعدات "جاء بدافع الضرورات الأمنية والدفاعية"، فيما أكد متحدث أمريكي دعم بلاده المستمر لخدمات صحة الأم والطفل في البلدان ذات الدخل المنخفض، والتي تسجل أكثر من 90% من وفيات الأمهات.