عرب لندن
حذرت منظمات حقوقية بريطانية من أن تعديلات مقترحة على القانون قد تمنح الشرطة حماية مفرطة من الملاحقة القضائية، مما قد يؤدي إلى تقويض المساءلة وثقة الجمهور في أجهزة إنفاذ القانون.
ومن المنتظر أن تصدر الحكومة خلال الأسابيع المقبلة نتائج مراجعة أمرت بها حول مساءلة الشرطة، وذلك عقب موجة غضب بين الضباط المسلحين في لندن إثر محاكمة القناص مارتن بليك بتهمة القتل، بعد إطلاقه النار على كريس كابا. ورغم تبرئته خلال ثلاث ساعات فقط في أكتوبر الماضي، أثارت القضية جدلًا واسعًا حول طبيعة استخدام القوة من قبل الشرطة والمساءلة القانونية التي يخضعون لها.
وتسعى الشرطة إلى تعديل القوانين لضمان حماية أكبر للضباط عند استخدامهم القوة أثناء أداء مهامهم، مدعيةً أن ذلك سيساهم في تحقيق "نظام أكثر عدالة". لكن منظمات حقوق الإنسان تشدد على أن النظام الحالي يعاني من ضعف في آليات المحاسبة، محذرةً من أن التعديلات المقترحة قد تؤدي إلى تآكل الضوابط القانونية القائمة، ما يعزز الإفلات من العقاب ويقوض ثقة الجمهور في الأجهزة الأمنية.
وفي رسالة كشفت عنها صحيفة “الغارديان" Guardian، أعربت منظمات حقوقية بارزة، من بينها Inquest ومركز العدالة النسائية والحرية وBlack Lives Matter، عن قلقها البالغ إزاء هذه التعديلات في رسالة موجهة إلى وزيرة الداخلية إيفات كوبر. وحذرت المنظمات من أن "هذه المراجعة ليست مجرد رد فعل، بل خطوة مدروسة للحد من الرقابة على الشرطة وتقليص مساءلتها القانونية".
هذا وتشير البيانات إلى أن محاكمة ضباط الشرطة بسبب الوفيات الناجمة عن تدخلاتهم نادرة للغاية؛ فمنذ عام 1990، لم يُسجل سوى إدانة واحدة لضابط بتهمة القتل غير العمد، بينما لم يُحاسب أي ضابط بتهمة القتل العمد.
كما أظهرت الإحصاءات أن الفترة 2023-2024 شهدت زيادة بنسبة 10% في استخدام الشرطة للقوة، إلى جانب تسجيل أعلى عدد من الوفيات المرتبطة بالشرطة منذ ما يقرب من عقد. ووفقًا لتقارير رسمية، فإن غالبية هذه الحالات شملت أفرادًا من مجتمعات السود والأقليات العرقية، مما أثار اتهامات بوجود إفلات منهجي من العقاب داخل المؤسسة الأمنية.
وفي خطوة مثيرة للجدل، تستعد الحكومة لطرح تشريعات جديدة هذا العام تهدف إلى منح الضباط المسلحين الذين يطلقون النار على مدنيين حق إخفاء هويتهم، إلا في حال إدانتهم رسميًا. كما تتضمن المراجعة تغييرات قد تجعل من الصعب التحقيق في حالات الوفاة التي يتم تصنيفها على أنها "قتل غير قانوني"، بالإضافة إلى تعديل معايير الإثبات في تحقيقات سوء السلوك، بحيث يصبح إثبات التهمة أقرب إلى المعيار الجنائي الصارم، بدلاً من الاعتماد على ميزان الاحتمالات كما هو الحال في التحقيقات المدنية.
وانتقدت سوزان ألكسندر، التي فقدت ابنها أزيل رودني برصاص الشرطة عام 2005، هذه التحركات، قائلة: "بدلاً من محاولة تقليص سبل المحاسبة، يجب على الشرطة التركيز على تنفيذ الإصلاحات والاستماع إلى العائلات التي فقدت أبناءها، بدلاً من تهميشنا".
ومن جهتها، وصفت ديبورا كولز، مديرة منظمة Inquest، هذه المراجعة بأنها "محاولة متعمدة لحماية الشرطة من المساءلة"، مضيفة: "لا ينبغي للشرطة أن تمتلك ترخيصًا للقتل. لكن التعديلات المقترحة ستمنحهم ذلك فعليًا".
وفي ظل هذه الانتقادات المتزايدة، تجد الحكومة نفسها أمام معادلة صعبة تتمثل في تحقيق توازن بين ضمان قدرة الضباط على أداء مهامهم بثقة، وبين الحفاظ على ثقة الجمهور في نزاهة المؤسسات الأمنية.
وفي حين لم تصدر وزارة الداخلية أي تعليق رسمي على الجدل الدائر، من المتوقع أن تثير نتائج المراجعة المرتقبة جدلًا واسعًا داخل البرلمان وبين منظمات المجتمع المدني، مع تزايد المطالبات بضمان عدم توسيع صلاحيات الشرطة على حساب حقوق المواطنين.