عرب لندن
تثير خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تقضي بـ"استيلاء" الولايات المتحدة على غزة وإعادة توطين سكانها في دول أخرى، جدلًا واسعًا رغم استبعاد تنفيذها فعليًا.
فالخطة، التي تتطلب تعاونًا عربيًا واسع النطاق، قوبلت برفض قاطع من مصر والأردن، الدولتين اللتين يتوقع ترامب أن تستوعبا اللاجئين الفلسطينيين، إلى جانب المملكة العربية السعودية التي قد يُطلب منها تمويل المشروع. كما يعارض الحلفاء الغربيون للولايات المتحدة وإسرائيل هذه الفكرة، ما يجعلها غير قابلة للتحقيق على أرض الواقع.
ورغم أن بعض الفلسطينيين في غزة قد يسعون لمغادرتها إذا أتيحت لهم الفرصة، إلا أن عددًا كبيرًا سيظل هناك، ما قد يتطلب استخدام القوة لفرض التهجير القسري، وهو سيناريو يحمل تداعيات خطيرة، خصوصًا في ضوء التجربة الأميركية الكارثية في العراق عام 2003.
ويذكر الصحفي جيريمي بوين عبر موقع "البي بي سي" أن تنفيذ مثل هذه الخطة يعني القضاء على أي أمل متبقٍ لحل الدولتين، وهو الحل الذي ظل لعقود محور السياسة الخارجية الأميركية منذ أوائل التسعينيات، رغم تآكله نتيجة تعنت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
ويرى جيريمي بوين أن خطة ترامب تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي، مما يزيد من تآكل مصداقية الولايات المتحدة في دعم النظام الدولي القائم على القواعد. كما قد تؤدي إلى تشجيع الطموحات التوسعية لروسيا في أوكرانيا والصين في تايوان، إذ قد ترى هذه القوى الكبرى في الموقف الأميركي المتراخي إشارة إلى إمكانية انتهاك القوانين الدولية دون عواقب تذكر.
ويذكر بوين أنه على الرغم من أن هذه الخطة قد لا تُنفَّذ، فإن مجرد طرحها من قبل رئيس أميركي سابق يحمل تداعيات خطيرة. فمن شأنها أن تزعزع استقرار المنطقة، خاصة وأنها تثير مخاوف الفلسطينيين من تكرار سيناريو النكبة عام 1948، عندما نزح أكثر من 700 ألف فلسطيني قسرًا من ديارهم. وقد يترجم ذلك إلى مزيد من التوترات في غزة، حيث قد تسعى الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى الرد من خلال تصعيد العمليات ضد إسرائيل.
وفي المقابل، توفر تصريحات ترامب مادة خصبة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، الذي يسعى لإعادة تشكيل الخريطة الديموغرافية للمنطقة عبر ترحيل الفلسطينيين وإحلال مستوطنين يهود مكانهم. وقد رحب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بالخطة، معتبرًا أنها تشكل "إجابة" على مستقبل غزة بعد هجمات 7 أكتوبر، كما رأى فيها فرصة لإنهاء فكرة الدولة الفلسطينية بشكل نهائي.
ويبقى التساؤل حول ما إذا كان ترامب جادًا بشأن خطته، أم أنها مجرد ورقة تفاوضية ضمن أجندة أوسع. فمن المعروف أن تصريحاته غالبًا ما تكون أشبه بالمناورات العقارية أكثر من كونها سياسة أميركية مستقرة. وربما يسعى ترامب لتحقيق مكاسب سياسية داخلية أو حتى الفوز بجائزة نوبل للسلام عبر تقديم نفسه كوسيط لاتفاقيات كبرى، مثلما ألمح إلى رغبته في إبرام "اتفاقية سلام نووية موثوقة" مع إيران.
ورغم أن ذلك قد يندرج ضمن تكتيكات ترامب المعتادة، إلا أنه يضيف مزيدًا من عدم الاستقرار إلى منطقة تعج أصلًا بالأزمات، ويؤجج التوترات بين القوى الإقليمية والدولية، مما قد يفتح الباب أمام تصعيدات غير محسوبة العواقب.