عرب لندن
كشف بحث جديد أن المملكة المتحدة ستخسر أكثر من تريليون جنيه إسترليني من الأرباح مدى الحياة نتيجة مباشرة لأزمة الصحة النفسية بين الشباب.
وأطلق التقرير، الذي نُشر بالتزامن مع حملة "عقول المستقبل - Future Minds" للصحة النفسية، تحذيرًا بشأن العبء المالي الناتج عن الفشل في معالجة هذه الأزمة.
, دعت المنظمات الأربع الداعمة للحملة، وهي "Centre for Mental Health"، و"Centre for Young Lives"، و" Young People’s Mental Health Coalition"، و"YoungMinds"، الحكومة إلى الاعتراف بحجم الأزمة وعدم التقليل من شأنها باعتبارها مجرد "مبالغة" أو نتيجة "للطب المفرط".
وسجلت خدمات الصحة النفسية في إنجلترا أكثر من 500 إحالة يومية لأطفال يعانون من القلق، فيما ارتفع عدد الأطفال المحالين إلى خدمات الطوارئ النفسية بنسبة 10% خلال عام واحد.
ويعاني واحد من كل خمسة أطفال وشباب من مشكلات نفسية شائعة، مثل القلق أو الاكتئاب، مما يؤثر على حضورهم المدرسي وفرصهم الوظيفية ومستويات دخلهم المستقبلية.
ويواجه الشباب الذين عانوا من مشكلات نفسية في طفولتهم صعوبات أكبر في تحقيق الاستقرار المهني، في حين تضاعفت نسبة الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و34 عامًا غير القادرين على العمل بسبب مشاكل نفسية بين عامي 2012 و2023.
وتوقع التقرير ارتفاع الإنفاق على إعانات العجز والإعاقة لمن هم في سن العمل بمقدار 21 مليار جنيه إسترليني سنويًا بحلول عام 2028-2029، حيث تشكل الأمراض النفسية السبب الرئيسي للمطالبات بين الشباب.
واعتمد التقرير على منهجية مماثلة لدراسة معمقة أجريت عام 2015، مع مراعاة النمو السكاني وانتشار المشكلات النفسية، ليقدر أن مشكلات الصحة النفسية في الطفولة ستكلف الاقتصاد 1.16 تريليون جنيه إسترليني من الأرباح المفقودة مدى الحياة.
كما كلف الغياب المستمر عن المدرسة الاقتصاد 1.17 مليار جنيه إسترليني خلال العام الدراسي 2023-2024 وحده، فيما أدت التأخيرات في الحصول على العلاج والدعم إلى تأثير مالي كبير، حيث كلف تدهور الصحة النفسية لدى الشباب أثناء انتظار مواعيد العلاج في خدمات الصحة النفسية للأطفال والمراهقين ما يقرب من 295 مليون جنيه إسترليني سنويًا للخدمات الصحية والعامة الأخرى.
وأوضح التقرير أن نقص القدرة الاستيعابية للخدمات الصحية يؤدي إلى وصول عدد كبير من الشباب إلى نقطة الأزمة، مما يزيد الضغط على خدمات الطوارئ والمستشفيات، ويسبب نقصًا في الأسرة وارتفاعًا في أوقات الانتظار.
ودعا التقرير إلى إجراء مراجعة مستقلة لأسباب أزمة الصحة النفسية لدى الأطفال، إلى جانب وضع خطة شاملة لدعم القوى العاملة في هذا المجال، وزيادة الاستثمار لضمان تلبية خدمات الصحة النفسية لـ70% من الاحتياجات القابلة للتشخيص بحلول نهاية الدورة البرلمانية الحالية، وتعزيز الاستثمار في فرق دعم الصحة النفسية والخدمات المجتمعية الأخرى.
بدورها، أكدت آن لونغفيلد، المفوضة السابقة لشؤون الأطفال في إنجلترا ورئيسة "مركز حياة الشباب"، أن خطة الحكومة المقبلة لعشر سنوات والمراجعة القادمة للإنفاق يجب أن تتضمن "خطة جريئة وطموحة لإصلاح ودعم خدمات الصحة النفسية للأطفال والشباب".
كما حذرت من أن تجاهل الأزمة سيؤدي إلى كارثة للأطفال الذين يعانون من مشكلات نفسية، كما سيؤثر بشكل خطير على تحقيق العديد من الأهداف الحكومية.
بدوره، شدد الدكتور مايك مكين، نائب رئيس السياسات في الكلية الملكية لطب الأطفال وصحة الطفل، على أن "أفضل استثمار يمكن القيام به هو في صحة أطفالنا"، مشيرًا إلى أن التقرير يبرز التكلفة الهائلة التي تفرضها هذه الأزمة على المجتمع حاليًا ومستقبلًا.
ودعا إلى توفير خدمة صحية مستدامة تركز على الوقاية، من خلال تقديم رعاية متكاملة وشاملة في المجتمع، وضمان توفر رعاية متخصصة للأطفال والشباب الذين يحتاجون إليها.
من جانبه، أكد متحدث باسم هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) أن خدمات الصحة النفسية تستقبل حاليًا أعدادًا قياسية من الأطفال الذين يعانون من حالات مثل الاكتئاب والقلق، مما دفع الهيئة إلى توسيع نطاق خدماتها عبر إنشاء فرق دعم نفسي في المدارس، بهدف تمكين نصف طلاب إنجلترا من الوصول إلى مختصين بحلول الربيع المقبل.
وأشار المتحدث إلى وجود "اتجاه واضح ومقلق" لزيادة الحاجة إلى خدمات الصحة النفسية بين الأطفال والشباب، مؤكداً أن هيئة الخدمات الصحية تعمل بشكل وثيق مع الحكومة ضمن خطة الصحة لعشر سنوات لضمان توفير أفضل رعاية لجميع المرضى.
من جهتها، أعلنت الحكومة التزامها بمعالجة الأزمة، حيث صرح متحدث حكومي بأن "الشباب الذين يعانون من مشكلات نفسية لا يحصلون على الدعم والرعاية التي يستحقونها، ولهذا ستعمل الحكومة على إصلاح النظام وضمان أن تحظى الصحة النفسية بنفس الاهتمام الذي تحظى به الصحة البدنية".
وأضاف المتحدث أن الحكومة خصصت 26 مليون جنيه إسترليني لافتتاح مراكز جديدة لعلاج الأزمات النفسية، وكجزء من "خطة التغيير"، ستوفر مختصين نفسيين في كل مدرسة، بالإضافة إلى تعيين 8,500 عامل إضافي في مجال الصحة النفسية، مؤكداً التزام الحكومة برفع مستوى صحة الأجيال القادمة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام.