حازم المنجد-عرب لندن

نظم مشروع بلفور الأكاديمي، بالتعاون مع قسم التاريخ في كينجز كوليج لندن، مؤتمره السنوي، يوم الخميس، في مبنى "بوش هاوس" في منطقة هولبورن وسط العاصمة، تحت عنوان "سلام مع عدالة.. كيف نحقق ذلك"، بعد مرور ثمانية أشهر على بدء العدوان الوحشي، الذي يشنه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، وما نجم عنه من تداعيات كارثية على المستوى الإنساني والحقوقي، على خلفية ارتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب، فضلا عن تدمير هائل طال معظم الأحياء السكنية والبنى التحتية من مستشفيات ومدارس وجامعات مرافق خدمية وغيرها..

وقد شهد المؤتمر مشاركة واسعة من قبل ثلة من المختصين في مجال السياسة والقانون وحقوق الإنسان، يأتي في مقدمتهم أنياس كالامار، الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، ودانييل ليفي، الباحث الإسرائيلي وعضو التفاوض السابق لاتفاقيات أوسلو، وكريس دويل، مدير مجلس التفاهم البريطاني-العربي "كابو"، والبروفيسورة فيليس ستاركي، مديرة المشروع، والناشطة الفلسطينية نور عودة، وياسمين أحمد، مديرة منظمة العفو الدولية في بريطانيا، إلى جانب مجموعة من الناشطين البريطانيين والفلسطينيين، وحضره عدد كبير من طلاب الجامعات، وغطته وسائل إعلامية عدة.

وتناول المؤتمر في محوره الأول التطورات السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط، في ظل استمرار التصعيد الإسرائيلي وحربه الدموية على قطاع غزة، واجتياحه لمدينة رفح مؤخراً، وسط احتمالية نشوب حرب جديدة مع حزب الله اللبناني على الجبهة الشمالية، وتزايد خطورة اتساع دائرة الصراع والمواجهة في المنطقة، وجرى التطرق في الصدد نفسه للجهود الإقليمية والمساعي الدولية الرامية إلى احتواء الأزمة، والتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار شامل ينهي جميع الأعمال العسكرية، فضلا عن إعادة إحياء المسار التفاوضي، والذي يبدأ حسب رؤية الخبراء المشاركين في المؤتمر، بوقف فوري للحرب، ووضع حد للانتهاكات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وإجبارها على تجميد بناء المستوطنات المخالفة للقانون الدولي، والتصدي لخطاب التحريض العنصري الذي يتبناه اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، والذي يترجم بصورة فعلية على أرض الواقع من خلال تزويد المستوطنين بالسلاح، وتشجيع تصرفاتهم العدائية ضد المدنيين الفلسطينيين.

وأوضح المشاركون، من جهة أخرى، ضرورة مضي المجتمع الدولي قدماً في الاعتراف بالدولة الفلسطينية، على غرار ما فعلته دول هامة في الاتحاد الأوروبي، كالنرويج وإسبانيا وأيرلندا، وتقديم الدعم السياسي والمالي لمنظمة التحرير، باعتبارها ممثلا شرعيا لنضالات الشعب الفلسطيني، وفي الوقت ذاته تفعيل آليات المقاطعة ضد إسرائيل، وفرض عقوبات اقتصادية جادة على المؤسسات والكيانات المرتبطة بمصالح معها، كخطوة ضرورية على طريق حل النزاع وتحقيق السلام لجميع الأطراف، وفقاً لقرارات وقوانين الشرعية الدولية.

وفي المحور الثاني، ناقش المؤتمر الآثار القانونية المترتبة على سلوك دولة الاحتلال، وما اقترفته قواتها من  جرائم ضد الإنسانية، في ضوء إصرارها على انتهاج سياسات انتقامية بنيّة القتل الجماعي وإلحاق أكبر ضرر ممكن بين صفوف المدنيين، والإمعان في قصف المستشفيات ومراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة، وإغلاق المعابر وفرض حصار خانق ضد السكان، وتركهم يواجهون مصير الموت جوعاً، إذ اعتبر المختصون بالشأن القانوني والحقوقي في مداخلاتهم بأن تلك الأفعال تندرج تحت بند جرائم الحرب والإبادة الجماعية دون أدنى شك، ومثبتة بالأدلة القاطعة، حيث بثت مباشرةً عبر شاشات التلفزة ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، على مرأى ومسمع العالم، وفي السياق جرى التأكيد على أهمية دعم المسار القانوني الذي تنتهجه محكمتا العدل والجنايات الدوليتين بخصوص مُساءلة الجنرالات والمسؤولين الإسرائيليين، والتشديد على احترام تطبيق اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين زمن الحرب، وعدم اتباع ازدواجية المعايير في عمل مؤسسات منظمة الأمم المتحدة والهيئات القضائية الدولية، منتقدين الآلية المتبعة في مجلس الأمن التي تستخدمها الدول الخمس دائمة العضوية في ما يعرف بحق النقض "الفيتو"، داعين إلى ضرورة إصلاحها على اعتبار أنها تمثل تحدياً لإرادة المجتمع الدولي وتقوم على تعطيل قرارات الشرعية الدولية.

أما في المحور الأخير، فقد أفرد المؤتمر حيزا واسعا لموقف الحكومة البريطانية من الحرب الإسرائيلية على غزة، ودورها المتواطئ مع عملية الإبادة الجماعية المرتكبة بحق أهالي غزة منذ 8 أشهر، وكيف انعكس ذلك على المشهد السياسي والحزبي والوضع الداخلي برمته، ومدى تأثير ذلك على الخيارات الانتخابية للشارع البريطاني، "إلى جانب الوضع الاقتصادي بطبيعة الحال" الذي يشهد حراكاً شعبياً ومدنياً غير مسبوق في تاريخ المملكة المتحدة نصرة لقضية فلسطين؛ سواء من ناحية العدد أو الاستمرارية، وفي هذا السياق لخصت البروفيسورة فيلس ستاركي مطالب المؤتمر من الحكومة البريطانية بالآتي :

  • الاعتراف الفوري بالدولة الفلسطينية على حدود حزيران 1967، بما فيها القدس الشرقية، والالتزام بدعم عضويتها كاملةً في الأمم المتحدة، كدولة مستقلة ذات سيادة، في إطار عملية السلام على أساس حل الدولتين.

  • العمل مع الولايات المتحدة الأمريكية ومنظمات المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية على إنهاء العنف الدموي في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتمكين عمل منظمات الإغاثة الإنسانية والبدء في مشاريع إعادة الإعمار.   

  • إنهاء جميع مبيعات الأسلحة للجيش الإسرائيلي "المستخدمة على وجه الخصوص في الحملة العسكرية على غزة"، ووقف شراء المعدات العسكرية والأمنية من الشركات الإسرائيلية.

  • حظر التعامل والتجارة مع المستوطنين المتورطين في أعمال إجرامية واستيطانية غير شرعية، وزيادة العقوبات ضدهم، ومقاطعة البنوك والمؤسسات المالية التي تدعم نشاطاتهم في الضفة الغربية.

  • التزام بريطانيا التام بقرار مجلس الأمن رقم "2334" الصادر عام 2016،  والذي يدين بشكل واضح وصريح كافة الأنشطة الاستيطانية في الأراضي المحتلة باعتبارها انتهاكا صارخاً للقوانين الدولية وكونها تشكل عقبة أساسية أمام حل الدولتين.

  • التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بما يعزز إجراءات محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الإنسان، بخصوص حماية النازحين في مدينة رفح، ومحاسبة مرتكبي جرائم الإبادة ومنتهكي القوانين الدولية.

 

وعلى هامش المؤتمر، أتيحت الفرصة أمام بعض طلبة الجامعة للمشاركة في حلقات النقاش، والتحدث بشأن الاحتجاجات الطلابية في جامعات بريطانيا والدول الغربية، حراكهم المناصر للقضية الفلسطينية ورؤيتهم للأحداث الجارية من منظور جيلٍ جديد مثقف مختلف عن المرحلة السابقة، يمكن أن يلعب دورا هاما في تشكيل رأي عام عالمي يضغط على حكومات تلك الدول في سبيل تغيير مواقفها لصالح الشعب الفلسطيني، معتبرين أن قطع العلاقات مع المؤسسات التعليمية والأكاديمية الإسرائيلية، وسحب الاستثمارات والمشاريع التعاون معها، وفرض العقوبات عليها، يعد أمراً بالغ الأهمية، ويترك تأثيرا كبيرا على صناع القرار في إسرائيل، ويجعل فرص السلام أقرب من أي وقت مضى، مشيرين إلى مسألة انتشار الوعي وامتلاك أدوات المعرفة حيال الجذور التاريخية لأسباب الصراع، مما رسخ لديهم قناعات مفادها استحالة عيش الشعبين بسلام واستقرار دون تلاشي نظام الفصل العنصري وتحقيق العدالة للفلسطينيين، ورفع جور الظلم والاضطهاد الذي وقع بحقهم طيلة عقود طويلة.

جدير بالذكر أن "مشروع بلفور" تأسس من قبل أكاديميين ومواطنين بريطانيين، هدفه إلقاء الضوء على سجل بريطانيا في فلسطين قبل وأثناء وبعد الانتداب من عام 1840 وحتى 1948، وصولاً إلى يومنا هذا، حيث يركز بصفة أساسية على التبعات الكارثية التي تلت صدور ما يعرف بـ "وعد بلفور" عام 1917، حيث نص على إقامة وطن قومي للأقلية اليهودية في فلسطين بدعم وتسهيل بريطاني، في حين تجاهل بشكل ملحوظ الحقوق الوطنية والسياسية لأغلبية السكان العرب الفلسطينيين، وأدى لحدوث النكبة فيما بعد.

ويسعى المشروع جاهداً من أجل خلق وعيٍ عام وأكبر بمسؤوليات بريطانيا الحالية والتاريخية تجاه شعب فلسطين، والعمل على إقناع وحث البرلمان والحكومة البريطانية على احترام سيادة القانون الدولي وحقوق الإنسان الاساسية، بما في ذلك حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم.

السابق هل سيعترف حزب العمال بدولة فلسطين بعد اعتراض اتحاد النقابات على البرنامج الانتخابي؟
التالي رحلة تقل 163 راكبا تنجو من كارثة بسبب خطأ تقني فادح