عرب لندن - لندن
حلل موقع "دي كلاسيفايد" الاستقصائي البريطاني محتوى عدد من الصحف الأمريكية والبريطانية للكشف عن حجم تجريدها الفلسطينيين من إنسانيتهم خلال تغطيتها العدوان على غزة مقابل تغطيتها الأحداث على الجانب الإسرائيلي بطريقة تعكس المواقف الحكومية.
وبدأ التقرير بكلمتين هما "نازيين" و"أقل من الحيوانات" باعتبارها أمثلة "بسيطة" على ما وصفت به وسائل الإعلام الفلسطينيين مؤخرا.
وغطى التقرير الصفحة الأولى لخمس صحف بريطانية وأمريكية هي واشنطن بوست، ونيويورك تايمز والجارديان والتايمز، وبي بي سي منذ 7 أكتوبر وحتى 27 أكتوبر.
وتناول التقرير عددا من المحاور للمقارنة بين التغطية الإعلامية للعدوان على غزة والأحداث في إسرائيل، وفقا لسؤالين:
"من هو المسؤول عن الموت وكيف يتم تصوير القاتل والضحية"
وكانت الإجابة بكل بساطة "يقتل الإسرائيليون ويموت الفلسطينيون"، ففي وسائل الإعلام الرئيسية في بريطانيا والولايات المتحدة يقتل الإسرائيليون على يد حماس أو على يد فلسطينيين نفذوا هجوما ضدهم. وبالنسبة لوسائل الإعلام تلك ومنها "الغارديان"، فإن الفلسطيني يعني حماس وهو دائما صاحب أيديولوجيا معينة عوضا عن كونه مدنيا فحسب.
أما بالنسبة للفلسطينيين المدنيين فإنهم "يموتون" لكنهم كانوا وراء معظم الوفيات تلك منذ 7 أكتوبر.
وبحسب ما نشرته الغارديان يوم 18 تشرين الأول/ أكتوبر، فإن سكان غزة لا يموتون على يد القوات الإسرائيلية أو سياسات حكومتها، بل "يموتون عطشا بسبب نفاد المياه النظيفة".
وفي 9 تشرين الأول/أكتوبر، نشرت هيئة الإذاعة البريطانية "مقتل 700 شخص على الجانب الإسرائيلي، وموت أكثر من 400 شخص أيضًا في غزة".
وفي 8 تشرين الثاني/نوفمبر، أشارت صحيفة التايمز إلى مرور شهر "منذ أن قتلت حماس 1400 شخص واختطفت 240، وبدأت حربًا يقال إن 10300 فلسطيني ماتوا فيها".
ومن المحاور الأخرى التي تم تحليلها، هي انتهاك إسرائيل للقانون القانون الدولي. فمن وجهة نظر منسق السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، ومفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، وهيومن رايتس ووتش، ما تفعله إسرائيل "يعتبر عقابا جماعيا" من خلال ضرب أهداف مدنية وفرض حصار حوّل غزة "لسجن مفتوح".
ومع ذلك، لم تُذكر الانتهاكات الإسرائيلية المتسلسلة للقانون الدولي في أي من عناوين الصفحات الأولى والفقرات الرئيسية لوسائل الإعلام البريطانية والأمريكية الخمسة طوال الأسابيع الثلاثة.
وقد نشرت بعض وسائل الإعلام مقالات تحليلية منفصلة، مثل مقالة "إسرائيل وغزة وقوانين الحرب" في صحيفة نيويورك تايمز (12 تشرين الأول/أكتوبر)، إلا أنها لم تكن في الصفحة الأولى، كما أنها لم تقترب حتى من وصف جرائم إسرائيل بأنها جرائم بالفعل. واكتفت الصحيفة بنشر نقاش مطول يدور حول أنه يجب ألا يتعرض المدنيين للاستهداف، ونقلت رأي خبير في قانون الحصار.
وقد تحدثت الصحف تلك بنبرة واحدة عند حديثها عن إمكانية تجنب الوفيات في غزة متجاهلة عدم شرعية الحصار الإسرائيلي لغزة، وانتقلت للحديث عن المجاعات بصفتها سببا مباشرا للوفيات دون التطرق للأسباب الرئيسة وهو الاحتلال الإسرائيلي في هذه الحالة.
على سبيل المثال في 13 تشرين الأول/أكتوبر، نقلت صحيفة نيويورك تايمز: "300 ألف مشرد في غزة المنكوبة بسبب شح الغذاء" وأضافت: "المستشفيات مكتظة والوقود شحيح" (لأن إسرائيل تمنع الإمدادات الطبية والوقود من الوصول إلى غزة بينما ترد هجوم على حماس".
وبهذا تكون الصحيفة قد بررت نفاد الإمدادات الضرورية للعيش، بأن إسرائيل تشن عمليات دفاعية وتحمي نفسها.
التبرير لإسرائيل
تسابقت وسائل الإعلام البريطانية والأمريكية في نشر مقالات تروج للمبررات الإسرائيلية حول تصرف جيشها بالشكل الذي تصرف به. ففي 26 أكتوبر/تشرين الأول، نشرت نيويورك تايمز مقالا بعنوان "كيف يبرر الإسرائيليون نطاق الضربات الجوية"، بينما لم تنشر أيا من تلك الصحف مقالا مستخدمة نفس العبارات المتحيزة أو حتى عبارات محايدة لشرح طبيعة الغضب الفلسطيني.
وفي هذه النقطة بالذات، ظهر اتجاه آخر يتمثل في تطبيع تصرفات إسرائيل من خلال التركيز ليس على تكاليفها على حياة الإنسان الغزي، بل على نواياها التي بالطبع يشار إليها بأنها سليمة.
تكميم أفواه الصحافيين
بحسب موقع "دي كلاسيفايد"، كشف صحافيون في كل من "بي بي سي" ووكالة فرانس برس "AFP" كانوا قد انتقدوا تحيز وكالتهم ضد حياة الفلسطينيين والتقليل من حجم جرائم الحرب الإسرائيلية، بأنهم مقيدون للغاية ولا يسمح لهم بمناقشة المخاوف التحريرية.
وبينما فرضت تلك الوسائل رقابة شديدة على المراسلين الذين يغطون أحداث الجانب الفلسطيني -بل نُعتوا بمناصري حماس- وتم حذف مقاطعهم من البرامج الإخبارية السائدة، نشرت وسائل الإعلام الرأي الآخر دون أي نوع من الرقابة على ما يبدو.
ومثالا على ذلك هو نشر مجلة "نيوزويك" الأمريكية تعليقا لأحد كبار محرريها، كان قد دعا فيه إلى "تسوية غزة بالأرض لتصبح ساحة اصطفاف للسيارات".