حازم المنجد - عرب لندن
بعد أسبوع من احتدام الجدل السياسي والإعلامي حول تنظيمها، وبعدما تعرضت لحملة تحريضية مكثفة من قبل الحكومة بذريعة تزامنها مع إحياء ذكرى يوم الهدنة، خرجت في العاصمة لندن مسيرة مليونية يوم السبت 11/11/2023 كواحدة من أكبر التجمعات الشعبية التي تشهدها بريطانيا عبر التاريخ، في ظل حراسة أمنية مشددة، وذلك من أجل المطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار ووضع حد للمجازر الوحشية وجرائم الحرب المستمرة منذ أكثر من شهر بحق المدنيين العزل في قطاع غزة، مؤكدين في ذات الوقت على حقهم في حرية التعبير والتظاهر السلمي، التي تكفلها القوانين والتشريعات البريطانية.
شارك في المسيرة تيارات مدنية ونقابات عمالية وحركات حقوقية وجهات سياسية مثلت التنوع الاجتماعي والثقافي والعرقي على امتداد جغرافية المملكة المتحدة، فهناك من قدم من مدن كبرى مثل مانشستر وبرمنغهام وبرايتون وليدز وليفربول، من أجل المشاركة في رسالة واضحة وقوية وصل صداها إلى أروقة الطبقة السياسية، لاسيما حزب المحافظين الحاكم ونظيره حزب العمال المعارض، مفادها بأن الموقف الرسمي واللا أخلاقي لتلك الطبقة الداعمة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي لا يمثلهم، حيث أكد المشاركون في مشهد حضاري جاب شوارع لندن مدى عمق التأييد والإجماع الذي تحظى به القضية الفلسطينية لدى الرأي العام البريطاني، بوصفها قضية عادلة لشعب يعاني من الظلم والاضطهاد منذ صدور وعد بلفور 1917 .
وقد تجمعت جموع المشاركين في حديقة هايد بارك وسط لندن، ومن ثم بدأ زحف الطوفان البشري في الشوارع والساحات المؤدية إلى محيط السفارة الأمريكية كوجهة نهائية استقرت عندها المسيرة، حيث هدف المنظمون من وراء هذه الخطوة إيصال رسائل احتجاج مباشرة إلى الإدارة الامريكية، تعبر عن السخط الشعبي داخل المملكة المتحدة وخارجها من مواقف تلك الإدارة، وفي المقدمة الرئيس جو بايدن الذي اعتبره المتظاهرون شريكا أساسيا في حرب الإبادة والتطهير العرقي، عبر تزويد الجيش الاسرائيلي بمختلف الاسلحة الفتاكة والقنابل المدمرة التي تزهق أرواح الآلاف من الأبرياء والمدنيين الفلسطينيين، وقيام الولايات المتحدة بتوفير غطاء سياسي لتلك الجرائم في المحافل الدولية عبر استخدام حق النقض في مجلس الأمن، أجهضت من خلاله أي محاولة دولية لاستصدار قانون يلزم الطرف الإسرائيلي بوقف عدوانه وجرائمه البربرية والوصول إلى هدنة إنسانية.
من جهة أخرى، ومنذ بدء المظاهرات في الشهر الماضي، يصر المتظاهرون على المطالبة بفك الحصار الخانق الذي يرزح تحته سكان غزة، وتخفيف معاناتهم الإنسانية، معتبرين أن سلاح التجويع وحرمان أكثر من مليوني شخص من مقومات العيش الضرورية، إلى جانب قصف المستشفيات والكوادر الطبية والأهداف المدنية، جرائم حرب ممنهجة.
فائض من العنصرية ومنصب على المحك
مارست الحكومة البريطانية خلال الأيام الماضية ضغوطا جمة على قيادة شرطة العاصمة بهدف منع خروج المظاهرة، لعبت فيها وزيرة الداخلية سويلا بريفرمان دور رأس الحربة، بعدما وصفت المظاهرات الداعية لوقف إطلاق النار "بمسيرات الكراهية"، وقالت عبر تغريدة على "موقع  X" بأن الشعب البريطاني المحترم قد سئم من عروض البلطجة والترهيب في الشوارع.
وقد أثارت تصريحاتها التي هاجمت فيها قائد الشرطة مارك ميلي، واتهمته بالانحياز ومحاباة أنصار الشعب الفلسطيني، موجة من الجدل والغضب في الأوساط الشعبية والسياسية داخل بريطانيا، حيث اعتبرت أن خطاباتها العنصرية تؤدي إلى انتهاك القيم والقانون في المملكة المتحدة، وتشكل خطرا يهدد سلامة المجتمع ووحدته، وسط تصاعد الأصوات المنادية بضرورة إقالتها من منصبها الحكومي على خلفية اتهامها من قبل العديد من السياسيين والإعلاميين البارزين في الساحة البريطانية بالعمل على نشر خطاب الكراهية وإذكاء حروب الثقافات والإسلاموفوبيا، فضلاً عن محاولتها تقييد الحريات العامة. 
ويرى مراقبون بأن وزيرة الداخلية تسعى من خلف تلك التصريحات إلى منافسة رئيس الوزراء ريشي سوناك على زعامة الحزب في الانتخابات العامة، من خلال محاولتها استقطاب الجناح اليميني في حزب المحافظين، والعمل على شد عصب مجموعات اليمين المتطرف في بريطانيا إلى صفها. 
وتعرف بريفرمان، وهي من أصول هندية مهاجرة بسياساتها المتشددة حيال المهاجرين الراغبين بالوصول إلى شواطئ الجزر البريطانية ونعتتهم في إحدى مداخلاتها السابقة أمام البرلمان "بالغزاة"، كما شنت منذ عدة أيام حملة شرسة طالت المنظمات الخيرية التي تقدم خياماً تؤوي المشردين في العراء. 
انتصار للقيم والقانون
تصدر إعلان الشرطة رفض إلغاء المسيرة التضامنية مع غزة، يوم السبت، بحجة تزامنها مع الذكرى يوم الهدنة عناوين الصحف والأخبار، وأضحت حديث وسائل الإعلام البريطانية على أثر الصفعة القاسية التي تلقتها حكومة ريشي سوناك، حيث ارتأى ماك ميلي قائد جهاز الشرطة اللندنية بأن المظاهرات لا تخل بالنظام العام في بريطانيا، لعدم توفر أي تقارير أو أدلة استخبارية تشير الى إمكانية حدوث اضطرابات وأعمال فوضى وشغب، مستنداً في قراره  على قانون عام 1986 الذي ينظم حالات التظاهر داخل المملكة المتحدة، وقد أكد ميلي استقلالية عمل جهاز الشرطة الذي يرتكز ببساطة على القانون والحقائق المتوفرة أمامه، وأشاد بسلمية المظاهرات المتضامنة مع فلسطين وبالإيجابية التي يتعامل بها المنظمون لتلك المظاهرات، بالرغم من محاولات وضغوطات الحكومة وأنصار اليمين المتطرف التضييق والتشويش عليها.  
جدير بالذكر أن يوم الأربعاء القادم سيشهد تصويت البرلمان البريطاني لأول مرة على قرار يلزم الحكومة بالمطالبة بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، حيث شكلت التظاهرات العارمة التي تخرج أسبوعيا في العاصمة لندن ومدن ومناطق عديدة في المملكة المتحدة ضغطًا متصاعدا على الحكومة والأحزاب السياسية الرئيسية في الساحة البريطانية.
وقد نجم عن القصف الاسرائيلي منذ اندلاع حرب غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول، سقوط ما يزيد عن عشرة آلاف شهيد فلسطيني، نصفهم من الأطفال تقريباً، وأدى إلى تهجير قسري لقرابة مليون مدني من شمال قطاع غزة باتجاه جنوبه بعد تدمير أحياء ومناطق سكنية سويت بالأرض بكاملها.
 

السابق موجز أخبار بريطانيا من موقع ومنصة عرب لندن / الأحد: 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023
التالي فيديو/ بريطانيا في دقيقة: مليونية السبت دعم لفلسطين وتنديد بعنصرية سويلا برافرمان