عرب لندن

أيد مجلس الدولة الفرنسي، أعلى سلطة قضائية إدارية في البلاد، قرار الحكومة منع ارتداء العباءة في المدارس الرسمية دفاعا عن المبادئ العلمانية، ما أحيا جدلا أثاره في السابق حظر الحكومة ارتداء البرقع في الأماكن العامة.

وقال مجلس الدولة، وهو أعلى محكمة في فرنسا تنظر في الشكاوى ضد السلطات الحكومية، إنه رفض طلبا قدمته إحدى الجمعيات لإصدار أمر قضائي ضد قرار الحظر الذي فرضته الحكومة الشهر الماضي.

واعتبر المجلس في بيان أن قرار الحكومة لا يشكل تمييزا ضد المسلمين.

وكانت جمعية "العمل لحقوق المسلمين" (آ دي إم) قدمت مراجعة عاجلة أمام المجلس تطلب فيها تعليق القرار الحكومي بدعوى أنه ينطوي على تمييز وانتهاك للحقوق.

لكن مجلس الدولة اعتبر أن قرار الحكومة "لا يمس بشكل خطر وغير قانوني بشكل واضح بالحق في احترام الحياة الخاصة، وحرية العبادة، والحق في التعلم، واحترام المصالح الفضلى للطفل، أو لمبدأ عدم التمييز".

واعتبر المجلس في قراره أن ارتداء العباءة في المدرسة الرسمية، أو أي لباس مماثل (العباءة الرج الية بالنسبة للذكور) يندرج في إطار "منطق تأكيد انتماء ديني، كما يظهر خصوصا من التعليقات التي صدرت خلال الحوارات مع التلامذة".

وأضاف أن "القانون يمنع على التلامذة، داخل نطاق المدارس العمومية، ارتداء علامات أو ملابس تظهر بشكل واضح (...) انتماء إلى دين ما".

ويأتي هذا الجدل في بلد متمسك جدا بقانون أقر قبل أكثر من مئة عام حول الفصل بين الدين والدولة، ويشهد علاقة معقدة مع الدين الإسلامي والمسلمين موروثة عن تاريخ البلاد الاستعماري.

وهيمن قرار حظر العباءة التي لا ترتديها الكثير من التلميذات على بدء العام الدراسي في أيلول/سبتمبر.

والإثنين، أعادت مدارس فرنسية عشرات الفتيات إلى منازلهن بسبب رفضهن الالتزام بقرار منع العباءة في أول يوم من العام الدراسي.

ويرى مؤيدو القرار الصادر عن وزير التربية غابرييل آتال، وبينهم الكثير من مدراء المدارس أن الإجراء ما هو إلا تذكير بمبدأ العلمانية، فيما يؤكد منتقدوه أنه ذر للرماد في العيون لحجب مشاكل التربية الوطنية أو لتغذية "رهاب الإسلام".

وأكد مجلس الدولة بذلك الطابع الديني للعباءة فيما كان محامي جمعية "العمل من أجل حقوق المسلمين" فينسان برينغارت يؤكد أنه يجب اعتبار العباءة لباسا تقليديا وليس ثوبا دينيا.

وقال غيوم أودينه من وزارة التربية إن "العباءة تدل على الفور على أن من يلبسها ينتمي إلى الدين الإسلامي".

وند د المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية "بجدل جديد حول الإسلام والمسلمين مع ما يحمله من تمييز".

وهذا الجدل ليس الأول الذي تشهد فرنسا حول اللباس الإسلامي.

وفي العام 2004، منع قانون وضع أي رموز أو ملابس تظهر الانتماء إلى أي دين كان في المدارس الرسمية، وذلك على خلفية خلافات حول الحجاب.

وبعد ست سنوات على ذلك، منع البرقع في الأماكن العامة ما أثار جدلا على مستوى العالم.

وفي 2016 منع ارتداء البوركيني على بعض الشواطئ الفرنسية. إلا أن مجلس الدولة ألغى هذا القرار قائلا إنه لم يلاحظ أي تهديد للنظام العام من ملابس السباحة الطويلة التي ترتديها بعض النساء المسلمات.

ويعود إلى الواجهة من حين إلى آخر جدل حول منع النساء المحجبات من مرافقة أولادهن في رحلات مدرسية. وفي حزيران/يونيو، أثار احتمال السماح للاعبات كرة القدم بوضع الحجاب خضة في البلاد.

وعند حدوث جدل، تؤكد أحزاب اليمين واليمين المتطرف وكذلك اليسار باستثناء اليسار الراديكالي أنها تريد الدفاع عن "العلمانية"، أساس الجمهورية الفرنسية منذ قانون أقر العام 1905.

وتوتر النقاش منذ موجة الاعتداءات الإسلامية التي حصدت الكثير من الضحايا في البلاد في العقد الأخير.

وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الإثنين ردا على سؤال حول العباءة "نعيش في مجتمعنا مع أقلية من الناس يحر فون ديانة ويتحدون الجمهورية والعلمانية".

وأضاف "لا يمكننا أن نتغاضى عن واقع حصول اعتداء إرهابي او سامويل لبوتي" في إشارة إلى المدرس الفرنسي الذي قتله العام 2020 شاب من أصل شيشاني سلك طريق التطرف، بعدما عرض الأستاذ في صفه على التلاميذ الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في إطار درس حول حرية التعبير.

وأظهر استطلاع للرأي أجري حديثا أن نحو 81% من الفرنسيين من اليسار واليمين وبنسبة أقل في صفوف اليسار الراديكالي، يؤيدون حظر ارتداء العباءة في المدرسة.

وقال المؤرخ والعالم السياسي جان غاريغ "يأخذ المجتمع الفرنسي منحى متطرفا مع جنوح إلى اليمين يتجل ى أيضا على صعيد مسائل الهجرة والأمن".

وأضاف "في مجتمع لم يعد يتمتع بعمود فقري، يميل جزء لا بأس به من الفرنسيين تلقائيا إلى حماية بعض القيم" مثل العلمانية.

بالمقابل، رأى الباحث الإيراني في الدراسات الدينية في جامعة أوتريخت في هولندا بويان تميمي أن فرنسا التي تتهم بانتظام بمعاداة الإسلام في الدول الإسلامية منذ صدور الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد في مجلة شارلي إيبدو، "تبالغ".

وأضاف "عندما تمنع فرنسا العباءة تعطي عذرا للاسلاميين للقول +انظروا نحن نتعرض للتمييز+. وسيقال إن العلمانية على الطريقة الفرنسية معادية للإسلام. وهذا سيكون موضع انتقاد وقد يستخدم ذلك مبررا للعنف".

ويشكل المسلمون نحو 10% من سكان فرنسا البالغ عددهم 67 مليونا، وفق تقديرات رسمية.

السابق قصة نجاح: لاجئ سوري زج في سجون النظام منذ مراهقته يفتتح مطعما في غلاسكو لتقديم الأطباق السورية
التالي أكاديمية الفنون والتراث العربي في بريطانيا تعلن عن انطلاق موسم تعليم الفنون والحرف اليدوية