عرب لندن - لندن

 

تثير المقترحات الأخيرة التي قدمها ريشي سوناك، رئيس الوزراء البريطاني، حول إعادة النظر في قوانين الهجرة الدولية، الكثير من الجدل والتساؤلات حول تداعياتها، ومدى التزام المملكة المتحدة بالقوانين والتعهدات الدولية. 

وفي الوقت الذي يبرز فيه مطلب الحكومة البريطانية عن حلول لقضايا الهجرة غير الشرعية، يتساءل البعض عما إذا كانت هذه المقترحات ستؤدي إلى تخلف المملكة عن الالتزام بمبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولي.

ويشارك رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، هذا الأسبوع، في أعمال قمّتين دوليتين مهمّتين، منهما قمة مجلس أوروبا في أيسلندا، حاملا معه رسالة "حماية أمن القارة"، عن طريق توحيد الجهود الأوروبية لوقف تدفق المهاجرين.

وأثار سوناك استياءًا في آيسلندا بعد دعوته قادة أوروبا إلى دعم خطته المتعلقة بتوجيه اللاجئين إلى رواندا، خاصة أن البعض يعتبر هذا الطلب تجاهلاً للأزمة الإنسانية التي يعاني منها اللاجئون، ويثير تساؤلات حول التزام المملكة المتحدة بحقوق اللاجئين والتعاون مع الاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات الهجرة غير الشرعية.

وأثار سوناك الجدل أيضًا حينما تحدث عن رغبته في إعادة النظر في قوانين الهجرة الدولية والتماس تغييرها، عن طريق إنشاء "إطار لجوء عالمي جديد"، وذلك بهدف تسيير رحلات الترحيل إلى رواندا، التي سبق للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن أوقفتها في اللحظات الأخيرة قبل انطلاقها العام الماضي.

ويطالب سوناك، في رحلته، إعادة النظر في المادة ٣٩ من اتفاقية حقوق الإنسان "لضمان الشفافية المناسبة والمزيد من المساءلة وإمكانية إعادة النظر بالقرارات"، بحسب "داونينغ ستريت". 

والمادة ٣٩ تحديداً هي التي أتاحت لقضاة ستراسبورغ منع إقلاع طائرة الترحيل إلى رواندا العام الماضي، إذ تقضي بالسماح للمحكمة "بمنع ووقف طرد أو ترحيل أو تسليم الأشخاص".

ويعتقد سوناك أن مشروع قانون الهجرة؛ "أوقفوا القوارب" الذي مرره جنبا إلى جنب مع وزيرة الداخلية، سويلا بريفرمان، هو مشروع طموح يوفر الإصلاحات اللازمة على نظام الهجرة البريطاني، مع البقاء طرفا في المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. 

ورغم أن سوناك ابن لمهاجرين من الهند، جاءا إلى بريطانيا في ستينيات القرن الماضي وعملا في الطب والصيدلية، إلا أنه يعتبر أحد أشد المعادين للمهاجرين. 

وتثير مشاعره هذه عدة تساؤلات حول مساعيه الحقيقية في منع مجيء المهاجرين، والمنبع الحقيقي وراء مشاعر هذه الكراهية المتطرفة. 

وتكثر التفسيرات في ما يتعلق بتمسكه بسياسة منع المهاجرين من المجيء، وطردهم عند نجاحهم في ذلك. وهنا تجدر الإشارة إلى الوضع الشعبي لحزب المحافظين، خاصة بعد الخسائر الكبيرة التي تكبدها في الانتخابات المحلية أمام العمال، مما أدى إلى خسارتهم مجالس رئيسية لأول مرة منذ أكثر من 50 عاما.

ففي التنافس على 230 مقعدا في المجالس المحلية، خسر المحافظون 225 مقعدا وربح حزب العمال 120 مقعدا. وكسب الديموقراطيون الليبراليون 59 مقعدا، وفاز دعاة البيئة في حزب الخضر بـ 32. 

ومنذ ما يقرب من عقد من الزمن، كان عدد المهاجرين الآتين إلى المملكة المتحدة موضع اهتمام رئيسي لدى حزب المحافظين، ولطالما قدموا وعودا بإدارة موضوع الهجرة والسيطرة على أعداد المهاجرين.

وتعد أولوية الجمهور العام عندما يتعلق الأمر بالهجرة، ليس عدد المهاجرين الذين يأتون إلى المملكة المتحدة، أو حتى بالضرورة نوع القطاع الذي يعملون فيه، إنما تطبيق قواعد دخول المملكة المتحدة بشكل صحيح. فإن الناخبين يهتمون بكيفية وصول المهاجرين إلى المملكة المتحدة، وليس عدد القادمين.

نتيجة لذلك، تكون المواقف تجاه الهجرة إيجابية فقط عندما يعتقد الناخبون أن الحكومة تسيطر على نظام الهجرة. وعندما لا يحدث ذلك، أو على الأقل عندما لا يعتقد الناخبون أنه كذلك، تصبح مواقفهم أقل إيجابية.

ومن هذا المنطلق، لا عجب أن الحكومة تبذل قصارى جهدها بشأن قضية القوارب الصغيرة. فهي أولوية بالنسبة للعديد من الناخبين، ولكن بشكل خاص بالنسبة للناخبين المحافظين الذين يعتبرون "إيقاف القوارب" ثاني أهم قضية تواجه البلاد.

ويعد سوناك، إلى جانب عدد من السياسيين المحافظين الآخرين، من الشخصيات البارزة التي تعمل بلا كلل على ملف الهجرة غير الشرعية، بطريقة تخدم المشاعر المعادية للمهاجرين الموجودة لدى شرائح معينة من المجتمع البريطاني. 

ولإرضاء قاعدة تصويتهم، فإنهم يدعون إلى قوانين هجرة أكثر صرامة، ويصورون أنفسهم على أنهم "قساة" في ما يتعلق بالهجرة. ويتضح هذا بشكل خاص في اقتراح قدمه سوناك لإعطاء الأولوية للمهاجرين ذوي المهارات العالية، والتخلص من المهاجرين الأفارقة في بلدان مثل رواندا.

ولأن سوناك يأتي من خلفية مهاجرة، واستطاع الوصول إلى منصب يؤهله لقيادة البلاد، فإنه يعيش ضغطا غير مسبوق للتوافق مع معاييره، والحصول على قبول من قاعدة حزب المحافظين التي يمثلها. وقد يشعر سوناك أنه من خلال التحدث بصوت عالٍ حول موقفه المناهض للهجرة، يمكنه إثبات ولائه للحزب المحافظ، وإثبات نفسه كمواطن بريطاني "حقيقي".

 

 

السابق مؤسسات خيرية معنية بالتعليم تحذر الحكومة من فرض غرامات على أهالي الطلبة المتغيبين عن المدارس
التالي فيديو/ خبر سار جدا للعراقيين والإيرانيين: الحكومة البريطانية قررت التعجيل في الموافقة على طلباتهم!