عرب لندن
بعد عام على مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة، خلال عملية عسكرية إسرائيلية في الضفة الغربية، لا يزال مكتبها على حاله صامتا وفارغا إلا من بعض أغراضها الشخصية، فيما قناة الجزيرة متمسكة بمتابعة قضيتها أمام القضاء الدولي.
في مكاتب "الجزيرة" التي تزخر بصور الصحافية المعروفة على نطاق واسع في العالم العربي، يقول زملاؤها إنهم لا يزالون "غير مصد قين" أنها رحلت عنهم. ويقول المصور مجدي بنورة الذي كان يرافقها لدى مقتلها "نسلم كل صباح على شيرين كلما دخلنا المكتب". ويضيف "رغم مرور عام على استشهادها، ما زلت غير مصدق أنها رحلت، وأشعر في بعض الأحيان أنني أعيش في حلم". ويتابع بينما اغرورقت عيناه بالدموع "أتذكر كل كلمة معها، عندما كنا نسافر في رحلة عمل، وعندما صرخت، وأتذكر كل رصاصة أطلقت علينا، أسمعها كأنها البارحة". ويقول "نحاول أنا وزملائي أن نقنع أنفسنا أنها في إجازة وأنها ستعود"، ثم يضيف "أتمنى العدالة لشيرين وأن تأخذ حقها".
ويؤكد مدير مكتب القناة وليد العمري أن "الجزيرة" تتابع القضية في كل المحافل الدولية وأنها "لن تتوقف مهما طال الوقت".
وقتلت أبو عاقلة (51 عاما في حينه) في 11 أيار/مايو العام الماضي خلال تغطيتها عملية عسكرية إسرائيلية في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في شمال الضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل منذ العام 1967.
وتركت إدارة القناة مكتب أبو عاقلة على حاله كما غادرته قبل مقتلها، وعلقت على أحد جدرانه صورتين لها، إحداهما ترتدي فيها درع الصحافة الواقي.
إلى جانب مكتبها، غرفة توزعت فيها عشرات باقات الورود واللافتات وصورها التي جلبها الزوار إلى المكتب عقب مقتلها.
ويؤكد العمري أن شيرين "تركت فراغا هائلا، لأنها لم تكن فقط كبيرة مراسلي الجزيرة، بل كانت طاقما كاملا". ويقول، في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية، من مكتبه في وسط مدينة رام الله في شارع بات يحمل اسم أبو عاقلة، "نحن غير جاهزين للقول إننا جلبنا بديلا لشيرين". ويضيف "نفسيا ولغاية الآن... نحن غير قادرين أن نفارق شيئا من أثر شيرين، لذلك أبقينا المكتب على حاله". ويوضح أن المكتب ومقتنيات أبو عاقلة ستنقل إلى متحف "شيرين أبو عاقلة للإعلام" الذي ستحتفل إدارة القناة التي مولت بناءه وبلدية رام الله التي قدمت قطعة الأرض، بوضع حجر الأساس له الخميس.
وفي تقرير لها نشر الثلاثاء، أكدت لجنة حماية الصحافيين الأميركية توثيقها خلال العقدين الماضيين ما لا يقل عن "20 حالة قتل فيها صحافيون (18 فلسطينيا وبريطاني وإيطالي) على أيدي" الجيش الإسرائيلي. وخلصت اللجنة إلى أنه "لم يتم توجيه اتهامات إلى أحد ولم يخضع أحد للمسائلة بشأن هذه الوفيات".
وقال أحد مسؤولي اللجنة روبرت ماهوني أن "مقتل أبو عاقلة وفشل آلية تحقيق الجيش وعدم تحميل أحد المسؤولية ليس قضية معزولة"، منددا بعملية "تبدو مصممة للإفلات من المساءلة".
وأشارت اللجنة الى أن غالبية الصحافيين المقتولين كان يمكن التعرف عليهم بسهولة، وأن قتلهم "يضعف حرية الصحافة ويزيد من القلق على سلامة الصحافيين الفلسطينيين والأجانب".
وردا على التقرير، قال الجيش الإسرائيلي إنه "يأسف لأي ضرر يلحق بالمدنيين أثناء العمليات ويعتبر حماية حرية الصحافة والعمل المهني للصحافيين ذا أهمية كبيرة". وقال الجيش إنه يعمل في "واقع أمني معقد... ويتعامل مع أشكال مختلفة من الحوادث الإرهابية". وأكد أنه "يفحص ويحقق بشكل منتظم في أفعاله من خلال وسائل مستقلة ومتعمقة" وأنه يشرع في "إجراء تحقيق" في حال وجود "ادعاء مدني".
وعقب مقتل الصحافية الفلسطينية، شكلت إدارة الجزيرة طاقما من الخبراء القانونيين من بريطانيا لمتابعة القضية لدى المؤسسات الحقوقية الدولية، وزار الطاقم الأراضي الفلسطينية مرتين والتقى شهودا ثلاث مرات كما أجرى تحقيقا ميدانيا.
وأقر الجيش الإسرائيلي في الخامس من أيلول/سبتمبر بأن هناك "احتمالا كبيرا" بأن يكون أحد جنوده أطلق النار على أبو عاقلة بعدما ظن خطأ أنها أحد المسلحين، لكن الدولة العبرية أعلنت أنها لن تتعاون مع أي تحقيق أجنبي.
ويقول العمري "القرار في أعلى المستويات في إدارة الجزيرة أن نتابع هذه القضية لتحقيق العدالة". ويقول "بعد مرور عام، لم يتخذ أي قرار، والشرعية الدولية عليها أن تثبت عدالتها". ويضيف "لكننا سنقوم بكل ما علينا لمتابعة القضية... ما زلنا نضغط باتجاه أن يتحرك النائب العام في المحكمة الجنائية لكي تتخذ قرارا". ويشير إلى خيارات تتمثل إما "في الإعلان عن تشكيل لجنة دولية رسمية مستقلة وإما أن تعلن (المحكمة الجنائية الدولية) موقفا واضحا لتحقيق العدالة لشيرين".
وينظم الفلسطينيون في ذكرى مقتل أبو عاقلة فعاليات إعلامية وثقافية لتخليد ذكراها. وأقام مركز الفن الشعبي الفلسطيني الذي كانت أبو عاقلة عضوا في هيئته العامة مع عائلتها وأصدقائها، حفلة ثقافية إحياء لذكراها في قصر رام الله الثقافي.
وأكد أنطوان أبو عاقلة، شقيق الصحافية الراحلة، أن العائلة تنتظر تحقيق "العدالة لشيرين". وقال "خلال هذه السنة، مررنا بالعديد من المراحل والتجارب والتحديات لنحاول تحصيل حق شيرين، وتحقيق العدالة لشيرين، العدالة التي ينتظرها الجميع بعد اغتيال شيرين".