عرب لندن
تعيش الجمعية البرلمانية لأيرلندا الشمالية، وهي تجربة لتقاسم السلطة تهدف إلى وضع حد لصراع دام عمر لعقود، منذ الخميس الماضي، حالة انهيار في سياق يتسم بالتشاؤم العميق بشأن موعد انبعاثها من جديد.
وأدى رفض الحزب الاتحادي الديمقراطي تعيين رئيس محايد، للمرة الرابعة على التوالي، إلى إنهاء رسمي لفترة الـ 24 أسبوعا المقررة لتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة في المقاطعة البريطانية.
فمنذ يوم الجمعة، صار التدبير اليومي في إيرلندا الشمالية يقع على عاتق كبار الموظفين غير المنتخبين عبر وزاراتها العشر، على الرغم من أن لديهم مجال ضيق للغاية للعمل دون إعلان لندن عن ميزانية 2023.
هذه النتيجة، التي أثارت جدلا واسعا صاحبه تبادل الاتهامات، تشكل خطرا على أحد المكنسبات الأساسية لاتفاقية الجمعة العظيمة المبرمة سنة 1998 تحت رعاية الولايات المتحدة، والتي أنهت صراعا داميا عمر لثلاثة عقود في أيرلندا الشمالية، وأسفر عن مقتل أكثر من 3600 شخصا.
وشدد الحزب الديمقراطي الوحدوي الايرلندي، المؤيد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أنه لن ينهي حالة الجمود بشأن تقاسم السلطة بما أن بريطانيا لن تتخلى عن الرقابة التي يفرضها الاتحاد الأوروبي على البضائع البريطانية التي تصل إلى الموانئ المحلية في إطار ما يسمى ببروتوكول أيرلندا الشمالية.
وكانت اتفاقية خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي لسنة 2019 تضمنت هذا العنصر الرئسيي من أجل حل المشكلة الشائكة المتعلقة بحدود المملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي بعد قرار البريكسيت.
ويتعلق الأمر بنص قانوني تم التفاوض بشأنه بين لندن وبروكسيل لحل مشكلة الحدود بين أيرلندا الشمالية المقاطعة التي تشكل جزءا من المملكة المتحدة، وجمهورية أيرلندا، العضو في الاتحاد الأوروبي.
كما تم اعتماد بروتوكول ما بعد خروج بريطانيا من التكتل الاوروبي لمنع إنشاء حدود مادية مع أيرلندا، وإبقاء بذلك أيرلندا الشمالية في المدار الجمركي للاتحاد الأوروبي والسوق المشتركة. ومع ذلك، فإنه أقام حدودا جمركية في البحر الأيرلندي بين جزيرة بريطانيا العظمى والمقاطعة البريطانية، ما يعيق المبادرات التجارية ويثير مشاكل في الإمداد لبلفاست.
من وجهة نظر لندن، هذا الوضع يضعف اتفاق السلام المبرم في الجمعة العظيمة الذي وضع حدا لأعمال عنف دامية بين الجمهوريين، وخاصة الكاثوليك وأنصار إعادة توحيد أيرلندا، والوحدويين، لاسيما البروتستان والمدافعين عن إبقاء المقاطعة تحت التاج البريطاني.
لكن الحزب الوحدوي الديمقراطي يرى أن البروتوكول يشكل تهديدا على مكانة المقاطعة داخل المملكة المتحدة، مؤكد ا أن الحدود الجمركية في البحر الأيرلندي تعزز خيار إعادة توحيد جزيرة أيرلندا، فضلا عن تزايد المخاوف في ظل فوز الحزب الجمهوري، الشين فين، المؤيد لخيار إعادة الوحدة في الانتخابات المحلية في 5 مايو .
وللخروج من هذا النفق المسدود، اقترحت لندن في منتصف يونيو مشروع قانون لتعديل البروتوكول يتيح مرور البضائع المتداولة والمتبقية داخل بريطانيا عبر "قناة خضراء جديدة" بإجراءات إدارية أقل.
وأكدت الحكومة البريطانية أن البضائع الموجهة للاتحاد الأوروبي ستبقى خاضعة لجميع الضوابط المطبقة بموجب القواعد العمول بها في الدول ال27.
ويجب أن يحظى مشروع القانون هذا أولا بموافقة النواب البريطانيين، لكن عدم الاستقرار في وستمنستر والتغيير مرتين لرئيس الوزراء أدى إلى تراجع هذا الفحص إلى المرتبة الثانية، وهو ما اعتبرته بروكسل، التي تهدد بإجراءات انتقامية تجارية، بمثابة "تعديل أحادي الجانب" للبروتوكول.
وبعد إحياء المحادثات بين حكومة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال فترة ليز تروس القصيرة، قرر زعيم حزب المحافظين ورئيس الوزراء الجديد، ريشي سوناك الذي خلف تروس، إعادة تعيين كل من رئيس الدبلوماسية جيمس كليفرلي، المكلف بالمفاوضات مع بروكسيل، ووزيره المكلف بشؤون إيرلندا الشمالية، كريس هيتون- هاريس.
وكان السيد هيتون-هاريس قد أعلن، يوم الجمعة، أن لندن "مطالبة قانونا" بالدعوة إلى انتخابات مبكرة، وهو أمر "لن يساعد"، حسب زعيم الحزب الديمقراطي الوحدوي جيفري دونالدسون، معتبرا أن مشكلة بروتوكول أيرلندا الشمالية "بعيدة" عن الحل.
لكن رئيس الوزراء الجديد للحزب، بول غيفان، الذي استقال من أعلى منصب لتقاسم السلطة في فبراير وسط حملة الحزب الديمقراطي الوحدوي المناهضة للبروتوكول، أعرب عن أمله في أن تمكن انتخابات جديدة لحزبه من استعادة الميدان الانتخابي الذي خسره في ماي أمام شين فين.
وأشار إلى أن تصويتا أقوى ضد البروتوكول في دجنبر "سيبعث برسالة واضحة إلى الاتحاد الأوروبي مفادها أن أيرلندا الشمالية هي جزء من المملكة المتحدة وسيتم احترام مكانتنا داخل هذا الاتحاد بالكامل."
من جانبها، أدانت ميشيل أونيل، زعيمة شين فين "التكتيكات المعرقلة لاتحاد النقابيين"، واصفة إياها بـ "المتهورة والحماقة".
وفي حين أن بروكسيل لا تبدو مستعدة للتخلي عنها، قال رئيس الوزراء البريطاني الجديد، رغم دعمه لتشريع تعديل البروتوكول، لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، يوم الأربعاء إنه يفضل "حلا تفاوضيا".
في غضون ذلك، يثير هذا الانسداد السياسي قلق سكان ومقاولات المقاطعة الذين يشددون على ضرورة وجود مسؤول تنفيذي وظيفي قادر على اتخاذ قرارات للحد من تأثير أزمة تكلفة المعيشة. إنها محنة ترخي بظلالها على المملكة المتحدة بأكملها، دون تمييز بين الحدود.