عرب لندن
منذ نحو 1240 عاما، صُكّت عملة معدنية فريدة تحمل نقوشا عربية، وتعود للملك أوفا ملك مرسيا -إحدى ممالك إنجلترا الأنغلوسكسونية- بين عامي 757 و796.
ونسخ تصميم العملة من الدينار الذي صكه الخليفة العباسي المنصور، الذي كان معاصراً للملك أوفا، ونُسخ التصميم بالكامل بما في ذلك الإشارة إلى الخليفة العباسي وحتى تاريخ العملة، التي صدرت عام 157 هـ. ومع ذلك، فمن الواضح أن الناسخ لا يقرأ اللغة العربية، إذ وردت أخطاء بسيطة في النقش العربي.
و بحسب روايات، فإن الملك أوفا قد خط عليها أيضاً آيات من القرآن الكريم، فكتب اسمه باللاتينية وفي المقابل كتب بقية العبارات باللغة العربية، فبدت عربيةً و إسلاميةَ الطراز.
عرضت عملة “أوفاركس” في المتحف البريطاني ليراها الراغبون في ذلك، فأقبل عليها الكثيرون بحثا عن أجوبة لإستفساراتهم، لكنهم لم يجدوا ما يشفي غليلهم، فمثل هذا محل جدل واسع و اختلفت الآراء و تضاربت الأقاويل حول السبب الذي دفع الملك لكتابة هذه العبارات على الدينار، فهناك من ينفي اعتناقه للإسلام مثبتا ذلك بكون الناقش قد ارتكب بعض الأخطاء.
و نلحظ ذلك بمجرد النظر إليها، فتجد الكلمات العربية مقلوبة عندما نريد قراءة الاسم،و في المقابل ينقلب الاسم إذا أردنا قراءة الكلمات العربية المنقوشة عليه.
اما أصحاب الرأي القائل بكونه قد فعل ذلك إعلانا منه عن إسلامه فقد وضحوا ذلك و برروه بكونه قد تعمد قلب الاسم إجلالا و تعظيما للآية القرآنية المكتوبة عليه و للشهادة بنبوة الرسول محمد “صلى الله عليه وسلم“، لتكونا واضحتين دون الاهتمام المفرط في الاسم وحتى لا يختلط بهما، كتبا بالعربية و اختار كتابة اسمه باللاتينية.
فبهذا ، قام جدل واسع حول شخصية الملك الإنجليزي “أوفاركس “،الذي مثل محور حديث بعض الكتاب و المؤرخين، وموضوع بحث للعديد من المقالات والكتب التاريخية،خاصة في ما يتعلق بحقيقة إسلامه من عدمها.
فمن هو “أوفاركس” و ما الذي جعله بهذه الشهرة؟
حكم “أوفاركس” مرسيا بانجلترا في القرون الوسطى بين (757-796)م.
كان للملك أوفاركس دور هام في توحيد المماليك الأنجلوساكسونية ،كما قدم الكثير لمملكته، فنشر الأمن بعد أن نجح في توحيد البلاد، و سن تشريعات لحماية المواطنين، كما حرص على تحسين الوضع الإجتماعي و الثقافي لديهم، محاولا بذلك جعل بلاده حضارية، وإخراجها من التخلف و الفوضى اللذان يسودانها، فنجح في تحسين الوضع الإقتصادي لبلاده من خلال تعامله مع مختلف الدول المجاورة، مما جعل الأموال تتدفق ليستعين بها في إصلاح الأوضاع.
فقد “أوفاركس” مكانته بسبب الكنيسة التي جعلت المؤرخين يتجاهلونه و يمحون ذلك الجزء الهام من التاريخ. التاريخ الذي قدم فيه الكثير لمملكته و شعبه.
لقد انقلبت حياة هذا الملك بهذه الطريقة العكسية بمجرد اعتقادهم بكونه قد اعتنق الدين الإسلامي، وكانت حجتهم في ذلك متانة علاقته بالدولة العباسية،
وسكه لعملة جديدة عوضا عن العملة القديمة التي تحمل صورته، فحفر عليها اسمه و جعلها تحمل عبارة:
“لا إله إلا الله وحده لا شريك له”على الوجه الأول، وعلى الوجه الثاني، “محمد رسول الله” .
تواصل هذا الجدل حتى وفاة الملك”أوفاركس“، فهناك من ذهب إلى كونه قد استعمل الكلمات العربية و الآيات فقط بغرض الزخرفة و إضفاء جمالية على القطعة النقدية، جهلا منه بمعانيها، أو أنه قد استعان بخبراء الدولة العباسية ليعينوه على ذلك لأنه كان عاجزا عن سك النقود، أو أنها كانت ترتبط بتسهيل التبادل التجاري مع المسلمين.
توفي أوفاركس في عمر يناهز 39 سنة عام 796م، وورث ابنه الملك لكنه توفي كذلك و انتهت هذه السلالة.
وبعد وفاته قامت الكنيسة بحرق جميع وثائقه و المستندات التي تخصه و التي ربما كانت تحمل دليلا على إسلامه خوفا من تأثر الناس به