عرب-لندن

كتب - كريم إمام

لا شك بأن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تغييراً عظيماً تنبّه له جميع من يعيشون في العاصمة لندن من عرب وبريطانيين. فبعد التهديد الذي شعرنا به مع الوباء الجديد، أعدنا اكتشاف إنسانيتنا المشتركة وأظهرنا الكثير من التضامن والتعاطف في وقتٍ كان يمكن فيه للأنانية والخوف أن يسيطروا على عقولنا، لا سيما في ظلّ نزعة البعض إلى استغلال الوباء واستثماره لتحقيق مآرب سياسية أو اقتصادية. إلا أن الناس استطاعوا الاستمرار والتكييف مع الشكل الجديد للحياة من خلال إظهار حسّ التعاطف الذي شعرنا به في هذه الأزمة المروّعة وعلى الحكمة التي تحلّينا بها والوحدة التي جمعتنا. 

نتعرف خلال هذا التقرير على مجموعة من القصص الإنسانية التي جمعناها من لندن، و التي تعود لمجموعة من العرب والبريطانيين حول تجاربهم الشخصية خلال أزمة كورونا.

في البداية يقول بن باربور الذي عاد مؤخرا إلى العيش في لندن بعد فترة اغتراب دامت عشر سنوات خارج بريطانيا، أنه عانى الكثير جراء تفشي الفيروس كورونا الذي غيّر كل شيء حوله، مشيرا أن الأزمة بالرغم من السلبيات العديدة التي أفرزتها إلا أن هناك إيجابيات على الجانب الآخر والتي اكتشفناها من بعد إدراك أبعاد الأزمة ومسبباتها وتداعياتها. من ضمن تلك الإيجابيات ما شهدناه من تضامن وتكاتف بين الناس وبعضهم البعض، والكم من المشاعر الإيجابية التي ظهرت تجاه العاملين في القطاع الصحي و القائمين على تشغيل الخدمات العامة مثل المواصلات، و حتى أولئك الذين يقومون على توصيل الطلبات والاحتياجات اليومية إلى المنازل. كل هذا انعكس بشكل ايجابي على نفسياتنا وشكل تعايشنا مع بعضنا البعض كبشر. ومن ناحية أخرى شهدنا إيجابيات فيما يتعلق بالبيئة من حولنا، إذ انعكس تخفيف عوادم السيارات والطائرات بالإيجاب على نسب تلوث الهواء والأنهار وكيف ازدهرت النباتات وخرجت الحيوانات إلى الشوارع، وهي كلها مظاهر تعبر عن تعافي كان مطلوبا من أجل بيئة صحية نحيا فيها. 

وعن رؤيته لما هو قادم في الفترة القادمة يقول بن: أتصور أن أمور عديدة ستتغير بل تغيرت بالفعل جراء الأزمة، ومن بينها العادات اليومية التي شكلت روتينا مثل الذهاب إلى العمل أو الجلوس في مطعم لتناول وجبة طعام وإلى المقهى لاحتساء كوب من القهوة. كما أن أمورا أساسية مثل السفر ستغير من شكلها بشكل كبير، فإذا تم تطبيق اشتراطات التباعد الاجتماعي- والتي تقدر  بمسافة مترين-  داخل القطارات أو الطائرات،  فإن كل مسافر سيحتل مساحة أكبر، مما سيزيد من ثمن التذاكر بشكل كبير. وهو الأمر نفسه لما يمكن أن ينطبق على المقاهي والمطاعم والبارات وغيرها من مناحي الحياة. وفي حال قررت البلدان حول العالم تطبيق قانون العزل على القادمين، ستتأثر رغبة الأشخاص في السفر، وهذه بعض من التغييرات على المدى القصير.  

من جانبها تقول جوليا حسن التي تعيش في شرق لندن، أن نمط الحياة تغير في كل المجتمعات بغض النظر عن اختلافاتها، ونحن كجزء من هذا المجتمع الواسع الذي كان مفعما بالحياة والضغوط في أن واحد، نحاول التعايش مع هذا الفيروس بشكل من المفترض أنه مدروس وعلمي. إلا أن التخبط في الأداء الحكومي الذي شهدناه مع بداية الأزمة، أثر بشكل كبير على ما آلت إليه الأمور الآن. وباتت ظروف الحياة تتجسد في حالة العزل الصحي والتأقلم مع هذا الظرف من حيث أهمية البقاء على وضع الانتباه الدائم، والحذر الشديد من كل شيء. وللأسف توفي العديد من الناس من حولنا وأصبح خبر وفاة حبيب أو قريب أمر عادي يحدث كل يوم. 

وفيما يخص التعليم عن بعد من خلال الانترنت وكيفية التأقلم معه خلال الأزمة، تشير إلى أن ابنها بات متواجداً بشكل دائم في المنزل. وتقول:  هذا الأمر أوجب علينا إنجاز أعمالنا اللازمة كآباء و أمهات من متابعة جميع دروسه ووظائفه المدرسية عن طريق وسائل التعليم عن بعد online and home schooling وإتمامها بالمستوى المطلوب. ومع هذه الظروف تضاعفت المهام اليومية الملقاة على كاهلنا للمحافظة على نفس المستوى التعليمي الذي كان يتلقاه قبيل الأزمة. 

أما أميمة صالح، تروي قصة جارتها التي تجاوزت العقبات من خلال قرارها بمساعدة الغير وكيف استطاعت أن تعمل كمتطوعة لمساندة هيئة الخدمات الصحية البريطانية. وتقول أميمة أن جارتها تعمل حالياً كعاملة تنظيف في أحد المستشفيات المحلية إذ تقول "لندن هي مدينتي، وأقلّ ما يمكن أن أقدّمه هو ضمان أن يبقى جيراني وفريق عمل هيئة الخدمات الصحية الرائع آمنين متعافين".

وذكرت قصة الكابتن توم مور، الرجل البريطاني البالغ من العمر مائة عام الذي صمّم على جمع المال لصالح هيئة الخدمات الصحية عن طريق المشي ذهابا وإيابا في حديقة منزله. وقامت مبادرته بخطف قلوب الملايين مما ممكّنه من جمع أكثر من ٢٨ مليون جنيه إسترليني.  وبمناسبة عيد ميلاده المئة، وصل الرجل أكثر من ١٢٥ ألف بطاقة معايدة! وبخصوص الجانب الإنساني المكلل بالعطاء تقول أميمة، أن من يود التغلب على الصعاب ومساعدة الغير ليس عليه سوى أن يتخلى بالشجاعة ويبدأ في القيام بالشيء الصحيح.

 

السابق بعد إعلان وفاته.. رضيع يتحرك داخل كفنه معلنا عودته للحياة
التالي عاجل .. الحكومة البريطانية تجيز استئناف المنافسات الرياضية