كريم إمام
تتفاوت أشكال تأثر العائلات اللندنية بأزمة فيروس كورونا (كوفيد ١٩)، بل و نسبها، لكنهم أضحوا يشتركون في شكل الحياة الجديد الذي فرض على الجميع قضاء أوقات أطول داخل المنازل وامتناع الطلاب عن الذهاب للمدارس ومواجهة الأزمات الصحية التي خلقها عدو غير مرئي ونشر الداء في كل مكان من حولنا. والأكيد في هذه الأزمة، أن الجميع لا يزال يتعلم الكثير، خصوصا فيما يتعلق بحماية النفس من شرور المرض وكيفية تجنب انتشار العدوى والعيش بطريقة أكثر صحية واكتشاف مدى قدرة الإنسان على التأقلم مع الوضع الجديد.
نحاول من خلال هذا اللقاء التعرف على تجربة عائلة بريطانية في العزل وكيف تأقلموا مع الأوضاع التي فرضتها الأزمة خلال الأسابيع القليلة الماضية.
وقف الزيارات
في البداية تقول السيدة ماجدة إبراهيم القاطنة في جنوب غرب لندن مع زوجها دان ،الذي يعمل كمدير للاتصالات في إحدى المؤسسات الخيرية، وطفليهما رافي ٨ سنوات وزهرة ٥ سنوات، أنهم كما العديد من العائلات في لندن تأثروا بشكل كبير، فيما كانت أهم التأثيرات جراء الأزمة، هي عدم التمكن من زيارة الأهل، حيث يعيشون خارج لندن. وتضيف ماجدة، أنها تشعر بالقلق على أفراد عائلتها الكبار في السن والذين يعيشون في مدن مختلفة. وتقول ماجدة، أن زيارة هؤلاء الأشخاص كانت ضرورية و جزء من النشاطات العائلية الدورية.
تغيير الخطط
وتشير إلى أن كليهما ــ هي وزوجها- كانا محظوظين في العمل، لأن أعمالهم استمرت بشكل طبيعي، على الرغم من أنها خسرت جزء من العمل. وتستطرد ماجدة: وجود أفراد العائلة مجتمعة في المنزل مع إغلاق المدارس، جعلهم يغيرون الكثير في طبيعة حياتهم اليومية، وبقي الجانب الإيجابي من هذه الأزمة، أنها أتاحت الفرصة لقضاء وقت أطول مع بعضهم البعض.
وقالت ماجدة أن حماة أختها، اضطرت الذهاب إلى مستشفى بعد إصابتها بفيروس كورونا، متمنية لها الشفاء العاجل إن شاء الله. فيما أشارت أيضا، إلى أن قريبة لها اضطرت لتأجيل حفل زفافها لما بعد الأزمة، فيما ألغت ماجدة وعائلتها خططهم للسفر وقضاء عطلة عيد الفصح في باريس.
عادات يومية جديدة
أما عن أهم أشكال التغير في طبيعة الحياة، تقول ماجدة أن أهم هذه التغييرات هو الاضطرار للعمل من المنزل، وتغيير العادات اليومية المتعلقة بالتبضع وأوقات الرياضة والاسترخاء. وتقول ماجدة عن عملها، عندما اندلعت الأزمة كان عملي كصحفية قد تأثر بشكل فوري، حيث تحولت الجهود لتتمحور حول تغطية التغييرات التي شهدتها الحياة بشكل عام، وتحديدا المسارح والمطاعم، واتضح سريعا أن عملي الصحفي (في الميدان) أو في الشارع سيتبدل، ذلك أن الجريدة طلبت منّا العمل من المنزل، وبالتالي بدأت في التواصل مع مصادري من خلال الهاتف عوضا عن لقائهم وجها لوجه. وقد منحت إدارة الجريدة معظم العاملين إجازة وكنت من ضمنهم، ولكن لحسن الحظ أني لازلت أعمل مع عدد من وسائل الإعلام الأخرى.
ابتكار الحلول
وأضافت ماجدة، زوجي أيضا يعمل من المنزل الآن، وبالتالي كان علينا التأقلم مع الوضع الجديد خصوصا مع وجود الأطفال في المنزل طوال الوقت. وكعائلة، كنا نستمتع بزيارة المطاعم والمنتزهات ذات المساحات الخضراء، إضافة إلى أماكن الجذب الثقافي كالمتاحف والمعارض الفنية، لكننا لا يمكننا القيام بمثل هذه الأنشطة الآن. وقد تأقلمنا مع الوضع الجديد من خلال الابتكار في الطبخ ومحاولة زيارة الأماكن افتراضيا عبر الإنترنت، والتي كنا قد زرناها من قبل واقعيا. وتستطرد: كنت أهوى المشي والهرولة في الحي، ولكننا اليوم تحولنا إلى ممارسة التمارين الرياضية من خلال مشاهدة اليوتيوب، لنظل نشطين وبصحة جيدة. بالإضافة إلى ذلك، أتعلم اللغة العربية عن طريق دروس أسبوعية من خلال تطبيق "زووم" والذي بات طريقة جديدة للتعلم.
فرص الأزمة
وتشير ماجدة أن الوقت المتاح في المنزل، خلق فرصة لنتعرف أكثر على بعضنا البعض كعائلة، وكيف يمكننا الاستمتاع بالحياة مع بعضنا بطرق مختلفة دون الحاجة لعوامل خارجية بالضرورة. وكمعظم الأسر، هناك بالطبع بعض الخلافات التي تتخلل اللحظات، لكننا في النهاية، نحاول أن نظل طيبين و ودودين مع بعضنا البعض خلال هذه الأوقات الحرجة. فنحن نستمتع بالطبخ معا -هذا الأسبوع تمكنا من صنع بسبوسة- والتي يعشقها الأطفال، كما اشتركنا في sky cinema لنتمكن من مشاهدة المزيد من الأفلام مع بعضنا البعض، وعدنا لبعض المسلسلات الدرامية التي لم نتمكن من استكمال مشاهدتها بسبب ضيق الوقت. مشددة على أهمية الالتزام بالتعليمات الحكومية بممارسة الرياضة مرة واحدة في اليوم، تقوم ماجدة بممارسة رياضة المشي مع عائلتها لمدة ساعة يوميا في المنتزه القريب من البيت، وتقول، لقد أصبحنا خبراء في أنواع الطيور ونحاول أن نكتشف طرقا جديدة للمشي. كما أننا نراقب البذور التي زرعناها تكبر كل يوم على الشرفة، وبالطبع نحرص على التواصل مع الأهل والأقارب يوميا لنبقى على اطلاع دائم بأحوالهم، فالأطفال يحبون التحدث مع جدتهم عبر الهاتف.
الأطفال وإغلاق المدارس
أما عن قرار إغلاق المدارس، تقول ماجدة، كنت قلقة جدا عندما علمت بخبر إغلاق المدارس، لأنني لم أكن متأكدة من مقدرتنا على التأقلم مع الوضع، لكننا بدأنا بالتعود على الروتين الجديد، وبالطبع كل عائلة لها ظروف مختلفة تبتكر على أساسها حلولا متنوعة. على سبيل المثال، نقوم بممارسة الرياضة عبر متابعة حساب “PE with Joe Wicks” الذي يقدم ٣٠ دقيقة من التمرينات العائلية كل يوم خلال الحظر. كما نقضي ٣٠ إلى ٤٥ دقيقة كل صباح لمراجعة الدروس المختلفة في الرياضيات والقراءات المتنوعة وتعلم مهارات جديدة مثل الحياكة والبستنة والخبز. إضافة إلى ذلك، فإننا نشجع الأطفال على كتابة مذكرات يومية، وهي فرصة لهم لممارسة وتحسين أساليب الكتابة، ومشاركة أفكارهم حيال ما يحدث حولهم، كما أنها وسيلة لحفظ وأرشفة ما نعيشه اليوم.
استغلال الفرص
وتلفت ماجدة النظر إلى أن المدرسة تشارك الواجبات الدراسية مع الطلاب عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، لكننا أيضا نضيف على ذلك أساليبنا الخاصة، فرافي مثلا يحب القراءة ويقرأ وحده، وأنهما يشاهدان الأفلام معا، فبعد وجبة الغداء والمشي في المتنزه، يحب الطفلين مشاهدة فيلم كل يوم، وهي فرصتي لإنجاز أعمالي الصحفية، والتي كانت في العادة تتم في فترة المساء. وتقول ماجدة أنها أنجزت الكثير من العمل خلال الفترة الماضية، كما أنها تعمل لصالح صحيفة مختلفة يوم السبت، فيما يقوم زوجها برعاية الأطفال.
دروس مستفادة
أما عن التغيير الذي سيحدث في حياتنا بعد الأزمة، ترى ماجدة أننا سنتعامل بشكل أكثر جدية مع الفيروسات والأمراض، وسنتعلم أكثر عن سبل انتشارها، حيث أننا هنا في المملكة المتحدة كنا محظوظين بعدم مجابهة مشكلة صحية وبائية بهذه الجدية من قبل. وتعتقد أن هذه الأزمة ستجعلنا أكثر يقظة وحرصا لتجنب الأوبئة. متمنية أن تظل الروح الإيجابية الموجودة الآن في المجتمع موجودة بعد انتهاء الأزمة. وتقول ماجدة،أن الناس تحاول مساعدة ورعاية بعضها البعض. كما عبرت عن أملها في أن يحظى العاملون في نظام الصحة الوطنية والعاملون في المتاجر ودور رعاية المسنين وعمال النظافة والسائقين، باحترام أكبر لأهمية ما يقومون به من أجل المجتمع.
واختتمت حديثها بتوجيه الشكر الجزيل لمن يعملون بلا كلل، لنبقى آمنين خلال أزمة فيروس كورونا، والكثير منهم يقدم تضحيات عظيمة، ونحن كعائلة شاكرين جدا لكل ما يقدمون من محاولات لإبقاء المجتمع في أمان.