كتب – كريم إمام

 

أقام المركز العربي البريطاني لقاءا حواريا مع الفنانة السعودية منال الضويان في إطار سلسلة FRIDAY HANGOUT ، التي تتيح حوارا مفتوحا بين الفنانين والجمهور عبر الإنترنت، لتناول مواضيع وقضايا فنية وثقافية خلال استراحة الغذاء.

تحدثت الضويان، في البداية، عن جديدها في العمل على مشروعها الفني في معرض الصحراء المعاصرdesert X  الذي يقام كل سنتين في وادي كوتشيلا بالولايات المتحدة الأمريكية، لربط المجتمعات والثقافات الصحراوية حول العالم من خلال الفن المعاصر (بحسب القائمين عليه).

ولفتت الضوين للصعوبات سواء البيئية أو تلك المتعلقة بالإعلام الأمريكي -حيال فكرة الانتقال بالمعرض للسعودية- خلال عملها الذي جاءت خلفيته لتتناول مواضيع لها علاقة بالحدود والصور النمطية وفكرة المقاطعة الثقافية لبلدان أخرى، موضحة أنها رغبت في أن يكون العمل الفني أكثر تعاونية واحتكاكا بالناس من خلال إنشاء نظم للتواصل مع المحليين، وقالت: "قمت بالتعاون مع الفنانة المصرية الأصل من لوس انجلوس، شيرين جرجس، بتقديم ورش عمل مع فنانات في منطقة العلا، ومع النساء في المناطق المحلية بالسعودية، كطريقة لنقدم شيئا للمجتمع المحيط، وقد فكرت في تقديم عمل تفاعلي يتطلب التفاعل الجسدي والمجهود البشري بأن فقط تذهب لتقفز".

واستطردت واصفة العمل الذي يحمل عنوان "ياترى هل تراني؟"، بالقول: "هو عبارة عن سلسلة لعدد 12 من الـ (ترامبولينّ) أو المنطّات مختلفة الأحجام، مع مصابيح إنارة ليلية متناثرة في وادي جبلي، تشبه برك المياه التي يكونها المطر في العلا، والتي تظل بها المياه لفترات طويلة متاحة للاستخدام أمام الانسان والحيوان".

وأشارت إلى أن الممالك التي تشكلت وحكمت هذه المناطق منذ 5 آلاف عام كانت بسبب المياه، ولكن الآن هذه المياه انتهت، واليوم تظل فقط لساعات معدودة وتختفي لعدم وجود مصادر من المياه الجوفية تغذيها فتبقيها كما في الماضي. وبالتالي فإن هذه البرك هي التي تحدثنا وتدعونا للوقوف والتمعن فيها، لتقول إنك الآن تراني، ولكن ربما غدا لن يكون ذلك ممكنا".

وتحدثت أكثر عن العلا كمكان، مشيرة إلى أنها الآن بلدة صغيرة شمال المملكة ما بين المدينة المنورة وتبوك، يقع فيها موقع أثري وهو مدائن صالح -والذي تغير اسمه ليعود كما كان باسمه النبطي الحِجْر- مضيفة أنها تعشق العلا وقد زارتها أكثر من 14 مرة وعاشت فيها لفترات، واصفة أهلها بأنهم يمتازون بالكرم البدوي الحقيقي.

 

الفن وكورونا

ووصفت الضويان الوضع الحالي، الذي يمر به العالم، بأنه كان يمثل هاجسا لديها، ففي هذا اللقاء نتحدث عن الفن والثقافة وعن أعمالي الفنية التي أشعر الآن بأنها "الماضي" في عصر كورونا، واصفة اللحظة بأنها وقت مثير للاهتمام والتفكر، يحتم علينا كفاعلين في المجتمع الفني والثقافي التجمع والنقاش عبر الانترنت، في هذه اللحظة من التغيير، لافتة إلى أنه كان من المخطط لها إقامة معرض شخصي في جدة مايو المقبل، امتدادا لمعرضها السابق مع جاليري صابرينا عمراني، وقالت: "تخيلت أن الوقت قد حان لعرض بعض من أعمالي في السعودية، وتحدثت الأسبوع الماضي مع محمد حافظ في الجاليري، وقررنا تأجيل المعرض في هذا التوقيت الذي تتغير معه كافة المعادلات؛ سواء بالنسبة للفنان أو الجاليريهات أو الجمهور. وهو ما يحتم علينا جميعا أن نتأقلم مع الوضع ونغيّر من طريقة تفكيرنا تجاه الأشياء، فهو وقت الانعكاس والحديث والنقاش ومحاولة معرفة ما يحدث، كما أنه وقت صعب جدا للفنانين، خاصة في ما يتعلق بالأمور المادية والمشاريع الجارية، وهو ما يضاعف من أهمية دعم الفنون من قبل الناس والحكومات أيضا، والتفكير بشكل مختلف عن إقامة مشاريع وتقديم أعمال فنية، كما أنه وقت للتعرف أكثر على أنفسنا وقبول أن الأمور ستتغير للأبد".

 

التوثيق من خلال الفن

وردا على سؤال حول التغيير الذي تشهده السعودية وتأثير ذلك على أعمالها وكيفية تعالمها مع المجتمع السعودي، قالت الضويان إن ما يحدث الآن مشابه للشعور الذي انتاب الناس، وخصوصا النساء، إبان حرب الخليج بداية التسعينيات، والتجربة مشابهة في ما يخص الانعزال وعدم معرفة ما قد يحدث غدا. أيضا لحظة تغيير كلي أخرى كانت تتمثل في أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عندما كان العالم بأسره يشاهد معا ما يحدث، وبالنسبة لي كانت هناك تجربة شخصية عندما كنت في الإقامة الفنية بالتاون هاوس جاليري بالقاهرة عند اندلاع أحداث الثورة، ولم أقدم أية أعمال فنية نظرا لتسارع الأحداث وأثرها النفسي الغامر. وهي كلها أحداث مشابهة لما يحدث الآن.

وأشارت الضويان إلى أن معظم أعمالها لسبب أو آخر بدأت بشكل معاصر منتم إلى التوقيت اللحظي، ولكن بعد عدة سنوات يتحول اللحظي إلى نوع من التوثيق، والأمثلة على ذلك تجدها في أعمال تتناول قضية عدم تمكن المرأة من قيادة السيارة في السعودية، أو حتمية وجود محرم مع المرأة للسفر، وهي أمور تم إلغاؤها الآن صارت من الماضي. فالعمل الفني قد يكون له معان جديدة ومختلفة مع مرور الوقت ورسائل عندما تنظر له.

 

التغيير القادم

وحول ما إذا كانت تعتقد بأن هذه الأعمال قد أثرت أو أدت إلى التغيير المذكور، عبرت الضويان عن عدم اعتقادها بأن الفن يمكن أن يغير العالم، ورفضت الصورة النمطية لدى الناس عن هذا الأمر، لكنها أشارت إلى الوضع والتغيير في السعودية بالنسبة للمرأة ومن منطلق أنها كفنانة مناهضة لحقوق المرأة عاشت أصعب الأوقات وتعيش اليوم أفضل الأوقات -أو في الطريق إلى ذلك- في بلدها فإن المرأة اليوم يتم الاحتفاء بها وباتت فرص العمل المتاحة في السوق أغلبها للمرأة. بالنظر إلى أنه عندما كنت أعمل في السعودية كانت نسبة المرأة في سوق العمل 3 في المائة، واليوم ومنذ خمس سنوات تجد المرأة في كل مجالات العمل.

 

شباب الغد

وردا على سؤال حول ما تود أن تراه وتسمعه من المؤسسات والمراكز الثقافية وعن النصيحة التي قد توجهها للفنانين الشباب، بأنها حاليا هي من تحتاج إلى النصيحة! لافتة إلى أنها مرت بأسبوعين غاية في الصعوبة حيث كانت في الحجر الصحي الذاتي، إضافة لكمية الرسائل الإلكترونية منتظرة الرد. أما النصيحة لكل شخص الآن هي أن تأخذ وقت للراحة حتى تتمكن من التأقلم نفسيا مع كل هذا الذي يحدث حولك والاستماع لجسمك، وعمل ما يريده عقلك وجسمك وليس فقط المنتظر أن تقوم به بخصوص العمل. وبالنسبة للفنانين الشباب فأقول إنكم أنتم المستقبل، والأفكار ستأتي منكم أنتم. فهذا الآن هو واقعم، نحن كأجيال أخرى عملنا في نوع من الروتين وعلينا أن نتأقلم معه، أما هم فلديهم إمكانية خلق عادات وطرق جديدة لعرض أعمالهم الفنية للجمهور، والجاليريهات عليها العمل من خلال هذه العقلية مع هؤلاء الشباب. فهم من سيقودوننا لشيء مهم يساعدنا كفنانين وكمجتمعات على المضي قدما.

 

المشهد السعودي

وبسؤالها عن المشهد الفني والثقافي في السعودية، قالت إن هناك نوعا من الحراك مع تشكل جديد من قبل وزارة الثقافة التي بدأت تتفاعل مع الفنانين، لافتة إلى أن هناك العديد من المشاريع التي تركز على المجتمع، وكيف صارت العلا بمثابة عاصمة للفنون والثقافة في السعودية، حيث يمكن للفنانين عمل الكثر من الأعمال الفنية هناك، مشيرة إلى أن حظر التجوال الذي يتم التعامل معه بشكل جدي أوقف كل شيء الآن. ولفتت إلى أنه كان هناك حديث عن كيفية دفع الضرائب من قبل الفنانين، إذ أنه ليس هناك توصيف واضح في القانون في هذا الشأن، لكن النقاش مستمر.

وعبرت عن اعتقادها بأن نتاجها الفني بعد كورونا سيختلف عما قبلها، فبالنسبة لي حاليا لا أتصور استكمال أي حوار كان قبل بداية هذه الأزمة، وقالت: "أشعر بأني متوترة جدا، وقد عشت الشعور ذاته خلال الربيع العربي في القاهرة، إذ لم أنتج عملا واحدا خلال الإقامة الفنية التي استمرت لثلاثة أشهر بسبب كم المشاعر بداخلي، وحقيقة لا أعرف ما ستخلقه هذه اللحظة بداخلي".

 

 

عودة للبدايات

وتحدثت عن بداياتها وكيف أنها لطالما رغبت في دراسة الفن، إلا أنه عند تخرجي من الثانوية بداية التسعينيات لم يكن هناك صناعة فن في السعودية، فلا معارض فنية أو متاحف أو فنانين يمكنني أن أحذو حذوهم. وكان أبي مؤمنا بالاستقلالية المالية، فدفعني وأختي للدراسة وتحصيل شهادة جامعية. وقد نمى حبي للتصوير في العام 2002، وعندما عدت للعمل في أرامكو كان هناك استديو ضخم يستعمله الجيولوجيين في عملهم، وكان بمثابة كنز لي لاستعماله حيث عشت هناك وبدأت في خلق أعمال فنية. وقد كان هناك صعوبة بالغة في حقيقة كوني أعمل في شركة للنفط، وما يعنيه ذلك من تأثير على البيئة. فقد كانت وظيفة تقتل الروح وفي العام 2010 كانت البحرين ملاذي مع وجود علاقات مع المجتمع الفني هناك، وأقمت أول معرض لي في معرض الرواق. وبعدها أتيحت لي فرصة الإقامة الفنية لثلاثة أشهر في لندن، وقضيت ستة أشهر وبعد عودتي استقلت من عملي في أرامكو.

وقد أشارت نادية السباعي من المركز العربي البريطاني في نهاية اللقاء إلى عرض فيلم (المرشحة المثالية) للمخرجة السعودية هيفاء المنصور خلال الأسبوع المقبل، كما سيتم تنظيم لقاء مشابه مع المخرجة بعد عرض الفيلم عبر الإنترنت. وهو الفيلم الذي كتبنا عنه هنا في (عرب لندن) خلال تغطية فعاليات مهرجان لندن السينمائي في نسخته الماضية.

يذكر أن منال الضويان فنانة وفوتوغرافية سعودية من الفنانات البارزات في الحركة الفنية السعودية المعاصرة. ولدت في المنطقة الشرقية في السعودية. قدمت قرابة 21 عمل ومجموعة فنية داخل السعودية وخارجها. ابتدأت مسيرتها الفنية بالتصوير الفوتوغرافي، وكانت أول تجربة عرض لها خارج السعودية تحديدا في إسبانيا.  عملت بصفتها فنانة مقيمة بمؤسسة دلفينا في العاصمة البريطانية لندن، وفي جاليري كوادرو فاين آرتبدبي، وجاليري تاون هاوس بالقاهرة. ودعيت في العام 2015  إلى مؤسسة (روشنبرغ) للعمل كفنانة مقيمة. عرضت أعمالها في معارض عربية وعالمية، كمعرض بينالي البندقية، ومعرض بينالي برلين، ومعرض (غوانغجو) بكوريا الجنوبية، ومتحف (لوزيانا للفن المعاصر) في الدنمارك . كما تعرض أعمالها بشكل دائم في المتحف البريطاني، والمتحف العربي للفن الحديث، ومتحف لوس أنجلوس، ومتحف الأردن الوطني للفنون الجميلة، وهيئة أبوظبي للثقافة والتراث، ومؤسسات عبد اللطيف جميل، ناطور وبرجيل. وحصلت منال على جائزة المرأة العربية السعودية عام 2014 عن فئة الفن. كما نالت منحة من جامعة نيويورك أبوظبي.

 

السابق في عز الجائحة.. لوحة الفنان المغربي المليحي تحطم الرقم القياسي لمزاد معرض لندني
التالي أمسية أدبية ليبية بمكتبة N4 بالتزامن مع اليوم العالمي للمرأة