جاد محمد
لعبت الحملات الصليبية دورا في حاسما ي تقريب العلاقات بين المملكة المتحدة والدولة الإسلامية٬ حيث تشير العديد من المصادر إلى أن أول تواصل بين الطرفين كان سنة 1386 عندما طلبت الملكة إليزابيث الأولى من السلطان العثماني مراد الدعم البحري وتقديم الاستشارة لقواتها فيما يتعلق بالقوات البحرية ضد مملكة إسبانيا التي كانت الخصم اللدود للمملكة المتحدة في تلك الفترة.
هذه المساعدة التي قدمها العثمانيون لبريطانيا ستفتح أبواب المملكة أمام المسلمين خلال القرون التي تلت هذا الحادث٬ وبعدها تم اكتشاف وثيقة تعود لسنة 1641 تتحدث عن "مجموعة من المحمديين"٬ وفيها إشارة لشخص يدعى جون نلسون الذي يعتبر أول بريطاني يعتنق الإسلام وبعدها سيؤسس مجموعة المحمديين في العاصمة لندن٬ والتي لم تكن تضم في البداية سوى عدد قليل٬ وفي سنة 1649 تم ولأول مرة في التاريخ ترجمة نسخة من القرآن إلى الإنجليزية من طرف ألكسندر روس وهو كاتب مثير للجدل من اسكتلندا واشتغال كقس مقرب من الملك شارل الأول.
بعد ذلك في القرن الثامن عشر٬ سيتم تسجيل عدد من حالات اعتناق البريطانيين للإسلام٬ وستتميز هذه الفترة بأن الإسلام سيصل إلى طبقات مختلفة في المجتمع البريطاني وبلغ حتى طبقات راقية في الدولة٬ ومثال ذلك اعتناق اللورد إدوارد مونتاغو ابن السفير البريطاني في تركيا للإسلام.
ويعود وصول أول فوج كبير من المسلمين إلى بريطانيا إلى حوالي ثلاث مائة سنة وكانوا جميعهم من الهند تم استقدامهم من طرف شركة "الهند الشرقية"٬ للاشتغال كبحارة٬ وهذا ما يفسر أن أول المجموعات المسلمة التي تم تشكيلها كانت في السواحل البريطانية وخصوصا مدينة ليفربول التي كانت تتوفر في تلك الفترة على أكبر ميناء في أوروبا.
بعدها سيأتي الدور على الطهاة المختصين في طهي السمك والبطاطس٬وهؤلاء سيتم استقدامهم من بنغلاديش لهذه المهمة٬ حيت تشير العديد من الوثائق التاريخية إلى أن المسلمين القادمين من بنغالاديش وصولوا إلى بريطانيا واشتغلوا في مطاعم بريطانيا سنة 1873٬ ويعد هذا الوصول الأول للمسلمين لبريطانيا، وقرر عدد من البحارة والطباخة التخلي عن أعمالهم والانتشار في البلاد دون القيام بأي إجراء قانوني لتسجيل إقامتهم في البلاد ما ضيع الفرصة للتتبع الدقيق لحركة المسلمين وتطورهم داخل البلاد.
ستصل الموجة الثانية من المسلمين إلى بريطانيا وهي أكبر من التي سبقتها٬ بالتزامن مع افتتاح قناة السويس سنة 1896 التي أعطت نشاطا كبيرة لحركة الملاحة وبالنظر لكون المملكة المتحدة كانت تتوفر على أكبر أسطول ملاحة في العالم حينها٬ فقد احتاجت لليد العاملة من أجل تشييد السفن والموانئ٬ ولم تجد أفضل من العمال المسلمين القادمين من للقيام بهذه المهمة.
أغلب الواصلين في تلك الفترة كانوا منحدرين من اليمن٬ وهذا راجع لكون مدينة عدن كانت محطة التوقف الرئيسية لأغلب السفن التجارية من أجل التزود بالفحم وكانت صلة الوصل بين بريطانيا والشرق الأقصى٬ ووصل العمال اليمنيون إلى المدن الساحلية خصوصا كارديف وليفربول إضافة إلى لندن التي يعبرها نهر التايمز٬ ولعل هذا ما يسفر أن أكبر جالية مسلمة في مدينة ليفربول هي الجالية اليمنية والتي تعتبر من أكبر الجاليات في بريطانيا بصفة عامة.
وتشير الإحصائيات إلى تواجد أكثر من ثمانين ألف يمني يعيشون في بريطانيا٬ ويمثلون الجالية الأطول استقرارا في بريطانيا مناصفة مع الجاليات القدمة من الهند.
أما أول مسجد تم تشييده في بريطانيا فهناك خلاف حول الموضوع مع ترجيح بأن تاريخ بناء أول دار عبادة للمسلمين كان في مدينة كارديف سنة 1860٬ بعدها بسنوات قليلة سيتم تشييد مسجد آخر في مدينة ليفربول وذلك سنة 1887 حسب موسوعة أكسفورد.